أفينيون | «حين قلت لجليلة: أفكر في مسرحية عن محاكمة طاغية؛ قالت لي ابحث عن طبيب يعالجك». هكذا ردّ الفاضل الجعايبي على سيّدة وجدت في «يحيا يعيش» نفحة تشاؤم. داخل «مدرسة الفن» في أفينيون، جلس المسرحي التونسي إلى جانب رفيقة دربه جليلة بكار، والممثلة فاطمة بن سعيدان. حولهم، تحلّق رواد «أفينيون» للمشاركة في نقاش مفتوح عن الفن والثورة.
مع فرقته «فاميليا»، قدّم الجعايبي ثلاثة عروض لمسرحيته ضمن البرنامج الرسمي للمهرجان: سي يحيى مسؤول يطرد من منصبه، وإذا بنفوذه يتهاوى. خطوط الشخصية بأنانيتها الطاغية، أشبه بـ«أمير» ميكيافيليّ. يذهب العرض أبعد من المحاكمة. كلّ ما نراه يدور في أحد كوابيس الديكتاتور، حيث تعشش حاشية من الوصوليين... من بين هؤلاء جليلة بكار، بدور صحافية مزعجة، تنهال عليه بأسئلة عن الديموقراطية والحرية. إشارات كثيرة كانت كافية ليقارب جمهور «أفينيون» النصّ بوصفه نبوءة. المحاكمة الافتراضية التي حلم بها رائدا المسرح التونسي الجديد، صارت واقعاً. كأنّ «يحيى يعيش» كانت المقدّمة المنطقية للثورات التي أطلق شرارتها محمد البوعزيزي. سي يحيى أيضاً، يضرم النار بمكتبته، ويصير أسير كرسي متحرك في مستشفى يصير فيه الأطباء محققين في زنزانة.
في اللقاء مع الجمهور، تحوّلت تلك العناصر إلى ميدان لنقاش على التخوم بين الفني والسياسي، أعاد خلاله الجعايبي التذكير برؤيته لدور «الفنان ـــــ المواطن». رؤية عمل على إرسائها عبر ترسيخ تقاليد مسرح الرفض والنقد منذ عمله في «المسرح الجديد».
على الخشبة، ترجم ذلك بطابع مينمالي فاقع. في «يحيى يعيش» لا مكان للديكور. تركت البطولة لأجساد الممثلين، وهم يدخلون المسرح لجهة الجمهور، ويحملقون بالحاضرين، مع ابتسامة جليديّة وصمت مربك «كأنّها دعوة إلى الرحلة، أو إلى الشهادة على الوقائع التالية»، يقول صاحب «جنون» (2001) التي كانت أول مسرحية عربيّة تعرض في «أفينيون» خلال نصف قرن. الصمت عنصر أساسي في العرض، خصوصاً مع اختيار صوت إطلاق الرصاص الصاخب، خلفيةً موسيقيةً لمشاهد البداية والنهاية.
بعد عقد على دخولهما أسوار «أفينيون»، يعود الجعايبي وبكار محمولين على أجنحة الثورة. كأنّ «يحيى يعيش» هي المحطّة التي خصَّصها «أفينيون» للربيع العربي. كأنّها أيضاً محطة لمراجعة فكرية لدور الشباب، والقطيعة بين الأجيال، ومفاهيم الذاكرة والهدم. بالنسبة إلى فاطمة بن سعيدان، كانت ثورة الشباب أشبه بـ«صفعة»: «كنا نرى في الجيل الشاب مجرد طفيليين غير مسؤولين». لكنّ الثورة لم تنته عند جليلة بكار. تنادي مدير فرقة «فاميليا» الحبيب بلهادي، وتسأله أن يخبرنا عن الاعتداء الأخير على صالته «أفريكارت»، وعلى عدد من الفنانين («الأخبار»، ١/ ٧/ ٢٠١١). برأيها، لا مجال لحماية مكتسبات الثورة، إن لم تتم حماية الفنانين وحقهم في التعبير.
www.familiaprod.com