أصيلة | تتواصل حتّى يوم الجمعة، في الشمال المغربي، فعاليات «موسم أصيلة الثقافي الدولي» في دورته الثالثة والثلاثين. الموعد السنوي الذي تنظمه «مؤسسة منتدى أصيلة» جاء متنوّعاً في كلّ فقراته، فضلاً عن العمود الفقري للموسم، الذي يتمثّل في ورش الفنون التشكيلية والحفر، ومشاغل التطريز، والمعارض والجداريات التي شارك فيها هذه السنة فنانون عالميون، أمثال الياباني أكيمي نوغوشي، والبيروفي خوان فالاداريس، والإسباني يولندا نوبوا، وفنانون مغاربة أمثال فريد بلكاهية، ومحمد المرابطي، ومليكة أكزناي، وسناء السرغيني، وأمل البشير، الذين أتحفوا موسم أصيلة بجداريات في غاية الروعة والدقة.


يذكر أن الفنان المغربي الكبير فريد بلكاهية من الرعيل المؤسس لمغامرة أصيلة، وقد عاد إليها هذه السنة بعد طول انقطاع...
منذ انطلاقة هذه التظاهرة العريقة، تحت شعار «الثقافة في خدمة التنمية»، على يد مجموعة من الفنانين المغاربة بقيادة محمد بن عيسى، ابن البلدة ـــــ ولاحقاً عمدتها ونائبها ووزير الثقافة والخارجيّة المغربي ـــــ كانت الفنون البصريّة والتشكيليّة هي محركها وعمودها الفقري، لكن البرنامج الليلي بات منذ سنوات طويلة مشرّعاً على موسيقى العالم... فيما ساعات النهار موزّعة على الندوات الفكريّة والثقافيّة والاستراتيجيّة التي يتابعها المتخصصون، والى جانبهم سكان المدينة الرابضة على كتف المحيط الأطلسي.


العروض الغنائية والموسيقية شارك فيها هذه السنة فنانون من دولة الكويت، ضيفة شرف الدورة. ومن بينها حفلة أحيتها «أوركسترا الكويت السمفونية»، بقيادة سليمان الديكان. نشير أيضاً إلى أمسية قدّمتها فرقة «الحضرة الشفشاونية» بقيادة رحوم البقالي. على مدى ساعة ونصف ساعة، قدّمت الفرقة النسائية المكوّنة من 17 منشدة بالزي التقليدي لمنطقة شفشاون (شمال المغرب) وصلات في المديح النبوي تنهل من تراث هذه المنطقة، التي اشتهرت بألوان متعددة من الفنون التراثية ذات الأصول الأندلسية. وحرصت الفرقة الشفشاونية، على تجسيد طقوس الحضرة التي تقام عادةً في المناسبات الدينية، كالاحتفاء بذكرى المولد النبوي، إذ تفترش بعض النسوة الأرض، ويشرعن في نقر الآلات الإيقاعية، فيما تقف الأخريات وهن ينشدن ويصفقن ويتمايلن.
الثقافة النظريّة والبحثيّة، لها هذا العام ـــــ كالعادة ـــــ حصّة الأسد من برنامج «موسم أصيلة»، بمشاركة مفكرين وباحثين وكتّاب من العالم العربي وأفريقيا وسائر الدول.


ندوات هذه الدورة واكبت اللحظة الراهنة في العالم العربي، الذي عصفت فيه رياح التغيير. نشير إلى ندوة «الهجرة: بين الهوية الوطنية والهوية الكونية»، التي تلتها ندوة أخرى أكثر سجاليّة، هي: «انحسار دور النخب في حركات التحديث العربية». هذه الحلقة البحثيّة جاءت خطوة تمهيدية لمؤتمر كبير عن النخب العربية، تنوي «مؤسسسة منتدى أصيلة» إقامته في موسمها الثقافي المقبل عام 2012، بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين والكتّاب والإعلاميين العرب.
خلال النقاشات، ذهب بعض المحللين إلى أنّ هناك تراجعاً للنخب العربية عن أداء أدوارها التنويرية المؤثرة في مجتمعاتها، باعتبارها كانت تمثّل ضمير الأمة وصوتها، قبل أن تفقد جانباً مهماً من رأسمالها الرمزي والمعرفي. وأرجع بعض المشتركين هذا الانحسار إلى تدنّي القيم الثقافية في المجتمعات العربية، وتعقّد علاقة النخب بالدولة، وهيمنة النزعات الثقافية الاستهلاكية، وتسْطيح الوعي السياسي والإعلامي للشباب، وتزايد الأعطاب التاريخية التي كشفت عن القصور في تشخيص الأزمات وفي توفير البدائل والحلول.


كذلك شارك إعلاميون عرب وأفارقة في«الإعلام العربي والأفريقي: صورة الواحد في إعلام الآخر». وعن هذا الاختيار، يقول الأمين العام لـ «مؤسسة منتدى أصيلة» محمد بن عيسى: «لمّا كانت مواسم أصيلة من الداعين إلى تكثيف الحوار الثقافي والحضاري المتكافئ بين الشعوب، وخصوصاً بين دول الجنوب، فقد ارتأينا دعوة أبرز الفعاليات وممثلي المشاريع الإعلامية الرسمية والخاصة من القارتين، للتفكير في مقاربة علمية مسؤولة، تراهن على مستقبل العلاقات وحتميتها بين الطرفين. ويجري في سياق هذه المقاربة تبادل الرأي وإغناء التصورات والتوصيفات من أجل نسج «علاقة عنكبوتية» بلغة العصر بين الإعلاميين في القارتين».
وفي باب التكريمات، ستنظم «جامعة المعتمد ابن عباد» ندوة تكريمية لأحد رموز الثقافة والفكر والأدب والإعلام والسياسة في المغرب والعالم العربي. إنّه الأديب والإعلامي المغربي عبد الكريم غلاب، احتفاءً بتجربته الطويلة في الحياة والنضال والكتابة.



«موسم أصيلة الثقافي»: حتى 22 تموز (يوليو) الحالي ـــــ www.c-assilah.com