عمّان | تبدو استعادة السينما الجزائرية في سياقها التاريخي حدثاً مهماً بلا شك. هذا البلد معروف بتقاليده العريقة في مجال الفن السابع، من روّاد كمحمد لخضر حامينا إلى جماعة الواقعيّة الجديدة مع طارق تقية ورفاقه، ومروراً بالجيل الوسيط الذي يمثّله مرزاق علواش خير تمثيل. وقد بدأ التاريخ العريق مع الأخوين لوميير اللذين استخدما البيئة الجزائرية مادة فيلمية لعدد من تجاربهم القصيرة في أواخر القرن التاسع عشر. وحتى اليوم، تواصل الطبيعة الجزائرية استقطاب المشاريع الهوليوودية والأوروبية. وقد مثّلت السينما الجزائرية علامةً فارقة في مسيرة السينما العربية؛ إذ نال شريط لخضر حامينا «وقائع سنوات الجمر» سعفة «كان» عام 1975، وتواصلت التجربة مع مرزاق علواش صاحب «عمر قتلاتو» (1975) و«حومة باب الواد» (1994)، ومحمود زموري صاحب «سنوات التويست المجنونة» (1986)، وصولاً إلى رشيد بوشارب وإلياس سالم ونادية شرابي وآخرين.من هنا أهميّة الحدث الذي تشهده العاصمة الأردنية ابتداءً من اليوم؛ إذ تحتفي بـ«أيام الأفلام الجزائرية» التي تستضيفها «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام»، بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية، والسفارة الجزائرية في الأردن، والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي.
على القائمة ثلاثة أفلام ستبدأ بشريط رشيد بوشارب الإشكالي «خارجون على القانون» (2010، 138 د ــ ١٨/٧). يتناول العمل الذي يعد استكمالاً مستقلاً لشريطه السابق «بلديون» (2006) قصة ثلاثة أشقاء جزائريين، مسعود الذي التحق بالجيش الفرنسي في الهند الصينية، وعبد القادر أحد قياديي جبهة التحرير، وسعيد الذي انتقل إلى باريس بحثاً عن الثروة. يجتمع الأشقاء في فرنسا بعد تفرقهم في الجزائر إثر مجزرة سطيف التي ارتكبها المستعمر الفرنسي. الأحداث تدور بين عامي 1945 و 1962 على خلفية حرب الاستقلال. إنّه فيلم يأخذ شكل أفلام العصابات، ويحمل رسالة سياسية واضحة في نقد الاستعمار. الفيلم الثاني هو باكورة الممثل والمخرج الشاب إلياس سالم «مسخرة» (2008، 92 د ــ ١٩/٧). تدور أحداث هذا الشريط الساخر في إحدى قرى جبال الأوراس. يحاول منير تحسين صورته بين سكان القرية ونيل احترامهم، وسط الإحراج الذي تسبّبه له أخته التي تعاني من أحد اضطرابات النوم؛ إذ تنام فجأة في أي مكان. ومع اقتراب أخته من مرحلة العنوسة، بحسب مفهوم سكان القرية، يلفق منير قصة عثوره على خطيب ثري لها. أحداث كوميدية تقدم نظرة على راهن المجتمع الجزائري.
وأخيراً، يعرض شريط نادية شرابي لعبيدي «وراء المرآة» (٢٠٠٧، ١٠٥ د ــــ ٢٠/٨). الشريط يطرح قضايا اجتماعية عديدة، مثل العنف ضد المرأة ومشاكل الأم العزباء من خلال السرد الغامض لقصة سلمى ورضيعها الذي تتركه في سيارة للأجرة وتهرب. يكمل الفيلم سرده بين محاولة بحث سائق التاكسي عن الأم، وملاحقة الكاميرا لسلمى في رحلتها.
العروض قليلة، ولو كانت تمثّل فرصة لمعاينة مشاغل السينمائية الحديثة في الجزائر التي استعادت حيويّتها في السنوات الأخيرة بعد ركود. يبقى أننا كنّا نتمنّى أن يحضر مخرجو الأعمال وبعض ممثليها لتقديم تجاربهم للجمهور العمّاني ومناقشته. كذلك، فإننا نتساءل عن سبب اقتصار التظاهرة على ثلاثة أعمال فقط، إذا كان الهدف تقديم السينما الجزائريّة للجمهور. هناك أسماء عدّة كان يمكن إشراكها، في مجال الأفلام الطويلة والقصيرة، مثل أحمد راشدي، ومؤنس خمار، ونذير مقناش، وياسمين شويخ، ومالك بنسماعيل، وطارق تقيّة طبعاً، وغيرهم.

«أيام الأفلام الجزائرية» في عمّان: بدءاً من الثامنة من مساء اليوم حتى الأربعاء 20 تموز (يوليو) ــــ «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام»، عمان ـــ للاستعلام: +96264642266 ــ www.film.jo



بوشارب: إعادة اعتبار؟

كان لافتاً استبعاد «خارجون عن القانون» لرشيد بوشارب في النسخة الأخيرة من «مهرجان الفيلم العربي الفرنسي» الذي أقيم في عمان منذ شهر... فيما تضمّن البرنامج شريط كزافييه بوفوا «بشر وآلهة»، وهو يستعيد المجزرة التي كان ضحاياها رهبان دير تيبحرين، خلال السنوات السوداء في الجزائر. وساد اعتقاد بأنّ المركز الثقافي الفرنسي، تجنب برمجة فيلم بوشارب، بسبب الاتهامات المباشرة التي يوجّهها إلى فرنسا. ورأى بعضهم في عرضه اليوم، برعاية جزائرية، رداً على ذاك التغييب. يبقى أن عمّان في حاجة إلى استعادة شاملة للسينما الجزائرية، وتجربتها الناجحة في اختراق الذوق المحلي، في ظلّ الانطلاقة (الخجولة) التي تشهدها السينما الأردنية.