يتوزّعون في كل مكان من القلعة. ممثلون وراقصون يخرجون من اليمين واليسار، من الأمام ومن الخلف، لإضفاء مزيد من الإبهار المشهدي، مترافقاً مع سخاء الإنتاج في المسرحيّة الاستعراضيّة «أيّام صلاح الدين»، التي افتتحت أول من أمس «مهرجانات بعلبك الدولية». المسرحية التي يشارك في بطولتها عاصي الحلاني (صلاح الدين)، كارين رميا (سلمى)، وأنطوان كرباج (الكاتب بلال المختار)، وكارمن لبّس (راحيل) وغيرهم، تمثّل استغلالاً ذكياً من الأخوين فريد وماهر صبّاغ للمساحات التي يتيحها موقع العرض في مدينة الشمس. هكذا، يحار المشاهد إلى أين ينظر.
وبما أن ماهر صبّاغ أحد الممثلين في العمل، لم يتمّكن من معاونة أخيه في مهمة الإخراج والمراقبة، كان على فريد وحده الانتباه إلى كل التفاصيل. وهنا التحدي الكبير، إذ إنّ المسرحيّة تقدَّم مباشرةً، مع فرقة «الجامعة الأنطونيّة» بقيادة المايسترو هاروت فازليان، التي استقرت في موقعها تحت المسرح. ورغم أن هذا الموضوع يعدّ سابقة، لم يشفع للممثلين على المسرح، إذ بدا تنفيذ العمل متفلِّتاًَ. ولم يتمكن فريد صبّاغ وحده من إدارة اللعبة الإخراجية، ولا السيطرة على ممثليه من الجموح نحو المبالغة في الأداء. ولعل أكثر المبالغين كان عاصي الحلاني نفسه، الذي تلعثم أكثر من مرة، كما أنه رقص بحماسة على أغانيه كأنه يحيي إحدى حفلاته الخاصة، ولا يقدم عرضاً مسرحياً. وهو ما انسحب على أداء معظم الممثلين، علماً بأنّ الفنانة الشابة كارين رميا بدت الأفضل، لكن حتماً مشاكل الصوت لم تساعدها، ولم تساعد زملاءها على تأدية أدوارهم على النحو الصحيح.
ويبدو واضحاً أن الشقيقين ماهر وفريد أخذا وقتهما في الإعداد لنصهما المسرحي، وكتباه بحب وشغف كبيرين، مؤكدَين أنهما قادران على تكوين حالة مسرحيّة مع ثاني مسرحياتهما بعد «تشي غيفارا»، لكن غاب عن بالهما تقديم نص محبوك وبناء شخصيّات في الصيغة المسرحيّة المطلوبة، ووقعا في فخ المباشرة حيناً والألغاز أحياناً... والنتيجة عمل يحتاج إلى تعديل يخرجه من الخطابيّة. أما شكليّاً، فقد جاءت الكوريغرافيا والاستعراضات فقيرة وأقل من المتوقّع، إضافةً إلى أن الأغنيات لا تحمل خصوصيّة، بل تلتقي مع ألحان رحبانيّة سابقة، وتذكّر إحداها بأغنية «يلا تنام ريما» لفيروز.
تنطلق الأحداث الفعليّة للعمل في غرفة الكاتب بلال المختار في المستشفى، حيث يكمل كتابة فصول من مسرحيّة تمزج بين الواقع والخيال... نرى بعض فصولها على المسرح. ويتحكّم الكاتب (كرباج) في كل الشخصيات على المسرح، ومن بينها فتاة تدعى سلمى، خسرت أبوَيها في إحدى الحروب، ونشأت في رعية مارونيّة، وما لبثت أن وقعت في فخ عصابة «الكف الأسود»، التي ترمز إلى الشر. وهي العصابة التي تقرر قتل الكاتب قبل أن يكتب النهاية السعيدة لروايته. وإلى جانب الرواية التاريخيّة لصلاح الدين، يسلطّ هذا العرض الغنائي الضوء على المشاكل التي تواجه عملية الكتابة والإخراج في لبنان، وضرورة الالتزام بشروط شركات الإنتاج وضوابطها.
«يمكن مش حلوة، ويمكن خلص زمن المسرح، الناس ما بدا تشغّل راسها بمسرحيّات من هالنوع». كأنّ هذا المقطع من الحوار، الذي يدور بين أنطوان كرباج وزميله (نبيل أبو مراد) في غرفة داخل المستشفى، يعبّر عن حال العمل، الذي يحتاج إلى إعادة نظر فور إنهاء عروضه هذا المساء في إطار «مهرجانات بعلبك الدوليّة».



«أيام صلاح الدين» الليلة ضمن «مهرجانات بعلبك الدولية» للاستعلام: 01/373150