دمشق | كثر الحديث أخيراً عن أزمة تسويق تعانيها الدراما السورية في رمضان 2011. وأدرجت هذه الخطوة ضمن حملة مقاطعة مزعومة اعتمدتها المحطات العربية ضدّ صناع الدراما الذين وقفوا إلى جانب النظام. لكن في مقابل ذلك، طالب نجوم سوريون وسائل الإعلام بعدم الحديث عن أزمة التسويق كي لا تصبح حقيقية، بينما لا تحسم أمور البيع في كبرى شركات الإنتاج السورية إلا في الأيام الأخيرة التي تسبق رمضان. هكذا رأى دريد لحام في حديث سابق مع «الأخبار» (راجع عدد15/6/2011) أنّ الدراما السورية صارت وجبة أساسية على الموائد الرمضانية، فيما طلب باسم ياخور تجاهل الموضوع وعدم تكرار الحديث عنه.
لكن كما هي العادة، كان للمخرج الإشكالي نجدت أنزور رأي آخر مختلف عن زملائه. إذ أصدر المخرج السوري بياناً صحافياً قال فيه إنّ هناك قراراً عربياً غير معلن يقضي بمقاطعة الدراما السورية، أو شرائها بأبخس الأسعار. وسخر من ذلك بقوله: «صرنا بحاجة إلى خريطة طريق كي نصل إلى المحطات العربية»، معتبراً أنّ الفن لا ينفصل عن السياسة. وقد «سيّس الفن من قبل تلك المحطات بما يفقده الكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية. وعلى الرغم من انخفاض عدد الأعمال السورية المنتجة، إلا أن بعضها لم يسوّق والبعض الآخر أُجِّل لإشعار آخر». وأشار البيان إلى أن ذلك يهدف إلى ضرب الدراما السورية وإنهائها لمصلحة الدراما الخليجية أو المدبلجة المدعومة من الخليج، وخصوصاً في غياب الدراما المصرية. والمعروف أن أنزور يخرج عملين لهذا الموسم، الأول هو «في حضرة الغياب» الذي يحكي سيرة الشاعر الراحل محمود درويش، والثاني من إنتاجه يحمل عنوان «شيفون».
لكنّ أخباراً مؤكدة تداولها الوسط الفني في سوريا منذ مدة ترجح معاناة مسلسل «في حضرة الغياب» من أزمة تسويق قبل بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا. وقد عرض العمل على أكثر من فضائية، لكن فريقه لم يوفق في التسويق. حتى إن أنزور ومنتج العمل فراس إبراهيم استعانا أخيراً بالمخرج الشاب المثنى صبح لإنجاز أكبر عدد من المشاهد ومنتجتها حتى يصبح العمل بصورة قريبة من صورته النهائية كي تتمكن الشركة المنتجة من تسويقه، بينما يتفرغ أنزور لمسلسله «شيفون».
إذاً، لا بد من التمييز بين ما يعانيه «في حضرة الغياب» من مشكلة في التسويق، وما يحكى عن مقاطعة الدراما السورية من قبل المحطات أو شراء الأعمال بمبالغ زهيدة جداً، وخصوصاً أن هناك أعمالاً سورية أنجزت بشراكة المحطات ذاتها. أضف إلى ذلك أنّ كل المحطات تعي جيداً أنّ المسلسل السوري يحقق نسبة مشاهدة عالية، وبالتالي يستقطب الإعلانات. ورغم «مساهمة» بعض شركات الإنتاج السورية بإيجاد بديل من شأنه تخريب الدراما السورية، وهو الدراما المدبلجة باللهجة السورية، إلا أنّ المسلسلات السورية ونجومية ممثليها صارت مطلباً أساسياً للمشاهد العربي في رمضان.
ولعلّ البيان الذي نشره نجدت أنزور هو خطوة جديدة من «البروباغندا» الإعلامية التي اعتاد صاحب «ما ملكت أيمانكم» على إطلاقها حول أعماله بهدف كسب تعاطف الجمهور وإثارة الضجة اللازمة لجذب أكبر قدر من المتابعين. لكن المفارقة أنّ صاحب «إخوة التراب» سمح لنفسه بالتوقيع على بيان مقاطعة المنتجين للممثلين الذين وقّعوا على بيان درعا الشهير بسبب موقفهم السياسي (أي ساهم في تسييس الفن)، بينما يأخذ اليوم على المحطات ما سمّاه «المقاطعة غير المعلنة» التي تهدف إلى «تسييس الفن»... ربما يحق للمخرج السوري الذي اشتهر برؤية بصرية متميزة ما لا يحق لغيره!