حين قُدّم العرض الأول لـ «لا الله، لا سيدي» ضمن مهرجان Doc à Tunis في تونس قبل أشهر، كانت القاعة تغصّ بالمشاهدين. لم يجد أحد فيه ما يصدم المعتقدات الدينية، بل استقبل الجميع بحفاوة أوّل فيلم تونسي عن ثورة الكرامة. بعدها، تقول نادية الفاني: «جاءتني صحافية من تلفزيون «حنبعل» وأجرت معي حواراً تحدثت فيه عن مفهومي للعلمانية، بوصفها الإطار الوحيد الذي يضمن العيش المشترك وحرية المعتقد... وذكرت أنّ الحق في الإلحاد جزء لا يتجزأ من حرية المعتقد...». وتواصل الفاني: «فوجئتُ بهجمة أصولية على فايسبوك بعد بث مقطع من ذلك الحوار على يوتيوب جرت منتجته على نحو مغرض لاتهامي بالتهجم على المعتقدات الدينية».الأسلوب المغرض الذي أُخرج به «لا الله، لا سيدي» من سياقه، يذكّر بالهجمة التي استهدفت قبل عقود مسرحية كاتب ياسين «محمد خذ حقيبتك» التي كانت تروي معاناة المهاجرين العرب في فرنسا. يومها، استعملت الدعاية الأصولية العنوان للترويج بأن المسرحية تنادي بترحيل الديانة المحمّدية عن الجزائر! ما دفع صاحب «نجمة» إلى تعديل عنوان المسرحية إلى «الخبز المرّ»!
أسوة بكاتب ياسين، قرّرت الفاني تعديل عنوان فيلمها ليصبح «علمانية، إن شاء الله». وقبل ثلاثة أيام من تسلّمها «الجائزة الدولية للعلمانية» في فرنسا عن شريطها، تعرّضت لـ «غزوة أفريكا آرت» (راجع «الأخبار» 28 حزيران/ يونيو 2011) التي حاول خلالها شبان سلفيون منع عرض الفيلم بالقوة. تصدّت العديد من الجمعيات الثقافية لتلك «الغزوة»، التي مثّلت حلقة جديدة في مسلسل التهجم على المبدعين في تونس، بعد اعتداء أصوليين على السينمائي النوري بوزيد منذ أسابيع عديدة.
لكن بلد أبي القاسم الشابي شهد حملة مكارثية تداهن الأصوليين، وتلتمس لهم الأعذار... ما يذكّر بما شهدته الجزائر في التسعينيات، مع صعود حركات الإسلام الراديكالي. شباب فايسبوك التونسي منقسمون بين من ينادي بجمع 10 ملايين توقيع ضد الفاني (عدد سكان تونس)، ومن يدافع عن حرية التعبير، لكن المفاجأة جاءت من الإعلامي توفيق بن بريك، الذي مثّل رأس حربة في الصراع ضد دكتاتورية بن علي، إذ صرّح بأنّ فيلم الفاني نوع من «البورنوغرافيا الإيديولوجية»، مضيفاً: «عرض هذا النوع من الأفلام يؤدي إلى إثارة هذا النوع من ردود الفعل». بينما يفاخر Psyco. M مغني الرّاب المقرّب من حركة «النهضة» (تيار إسلامي) بتلك الاعتداءات، داعياً «اضربوا النوري بوزيد بالكلاشنيكوف»! أما زعيم «النهضة» راشد الغنوشي الذي تتسم مواقفه بالزئبقية، فقال إنّه لا يستبعد أن تكون عناصر من بقايا حزب بن علي هي التي تحرك الاعتداءات ضد المثقفين... لكنّه أضاف إنّ شريط الفاني يمثّل «اعتداءً على الإسلام»... قبل أن يقرّ بأنه لم يشاهد الفيلم!