«أسبوع النقاد» اختار افتتاح برمجته هذه السنة من خارج البرنامج الذي احتضنته المدينة الجنوبيّة الفرنسيّة في الربيع. لقد اختار المنظّمون لهذه الغاية «أعلنت الحرب» للمخرجة الفرنسيّة فاليري دونزيلي. هناك قصة خاصة لهذا الفيلم الذي تعرضه «متروبوليس أمبير صوفيل» الأربعاء ضمن وقفتها الاستعادية لأفلام تظاهرة أساسيّة من تظاهرات «مهرجان كان السينمائي». تدخلنا فاليري دونزيلي إلى حياتها، ناقلةً سيرتها إلى الشاشة: نبدأ مع علاقة حبّ أثمرت طفلاً يعاني ورماً دماغياً، ونمرّ على معاناة الأهل وننتهي بشفاء الطفل. إنّها قصة حب تنتهي بانفصال الزوجين فاليري دونزيلي وجيريمي الكايم، ثم التقائهما لكتابة الفيلم وتمثيله أيضاً.ينجرف الشريط عامةً في إيقاع سريع، لا يفسح للمشاهد أي مجال للتوقف عند إحساس أيقظه لديه صوت ما أو صورة. بل يقتاده إلى لحظات مؤلمة، تستفزّ عاطفته من دون أية محاولة لاستدراجه الى عمليّة تماه مع الشخصيات أو المواقف المطروحة. يتأرجح العمل بين حزن وابتسامة. لكنّه لا يمضي عميقاً في اتجاه موقف إنساني حقيقيّ أو وجوديّ.
مشهدان ينقذان الفيلم من سرده التوجيهي: في المستشفى، ترفض الأم رؤية ابنها في طريقه إلى غرفة العمليات، فتوقف الموكب، وتقرر ضمّه إلى صدرها على درب الجلجلة. وعند الباب، نرى حاجباً يمنع اقترابها من مفترق الحياة أو الموت. تسلم ابنها إلى أيدٍ غريبة وتركض في ممرات بيضاء، ترتطم بالحائط، وتواصل الركض، إلى أن تقع على الأرض، وحيدة، ثكلى، وترقد. مساحة صمت تلامس مأساة المصير في التراجيديا.
يكاد يشكّل هذا المشهد وحده، العلامة المميّزة لـ«أعلنت الحرب». هناك أيضاً التجلّي الأخير في الفيلم: دخول طفل القصّة الحقيقي غابريال الكايم في المجال البصري، بعدما لعب دوره طوال الفيلم سيزار ديسي، ليلتقي على شاطئ البحر ببطلي الفيلم، وهما والداه الحقيقيان، أمه جولييت (فاليري دونزيلي) وأبيه روميو (جيريمي الكايم).
لحظة التقاء الروائي بالحقيقي تقدّم العنصر السينمائي الأهم في الفيلم. عادةً، يميل المُشاهد إلى تصديق ما يجري على الشاشة، رغم إدراكه بأنّ القصة المرويّة غالباً ما تكون خياليّة. هذا الالتباس ناتج من رغبة الجمهور في تحويل القصة إلى تاريخ. فكما يذكّرنا جان لوك غودار، «وحدها السينما قادرة على إسقاط قصص الأفراد على الشعوب أجمعين، وتحويل القصص إلى تاريخ».
«أعلنت الحرب» يضعنا أمام ممثلين يعيدان تجسيد مرحلة من حياتهما الحقيقية. يختلط علينا البعد الخيالي بالوثائقيّ في القصة. لقاء العائلة الحقيقية في نهاية الفيلم، يتخطى سرد القصة، ليتحول إلى تاريخ. لحظة تصوير المشهد هي لحظة تاريخية في حياة هذه العائلة موثقةً في إطار سينمائي. هذا النوع يصنف عادةً بالسينما الوثائقية. لكن الحالة المطروحة ـــــ بالتباسها ـــــ تضفي بعداً سينمائياً يتخطى التعاطف مع القصة، ليضع المشاهد في موقع الشاهد على فعل تاريخي.
يزيد التاريخ الشخصي للشريكين أهمية هذا المشهد. ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الزوجان المنفصلان في كتابة فيلم وتمثيله، ما يضيف تاريخاً سينمائياً مشتركاً إلى تاريخهما الخاص المسرود أو الموثّق في فيلم «أعلنت الحرب». وإذا بحثنا في تاريخ السينما، بين مخرجي الموجة الجديدة خصوصاً، فقد لا نجد من لم ينقل جزءاً من حياته إلى الشاشة الكبيرة. لكن بعيداً عن منطق الأفلام التجارية، والصناعة الهوليوودية: فالسينما ليست وسيلة لمشاركة الجمهور مصاعب وحالات خاصة مرّ بها المخرج أو المؤلف، إن لم يستطع الفيلم الانتقال من الحالة الخاصة والشخصيّة إلى الحالة الكونية المشتركة مع الجمهور.
يبقى «أعلنت الحرب» فيلماً مؤثراً يسرد قصة حب، والمصاعب التي مر بها زوجان سابقان. قد يتشابه مع الكثير من الأفلام التجارية التي تصبو إلى تحقيق رواج واسع، لكنه في اللحظة الأخيرة يطرح سؤالاً على صنّاعه، وعلينا، حول لحظة التقاء السينما بالتاريخ.

La guerre est déclarée: 8:30 مساء الأربعاء 6 تموز (يوليو) ــــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت). للاستعلام: 01/204080