في تسعينيات القرن الماضي، كان النجم السوري غسّان مسعود يعتكف في صالات المسرح، يكتفي من حياته باستنشاق الهواء الفاسد في كواليس «أبو الفنون»، ويقدم أهم أعمال المسرح العالمي على خشبات دمشق. كان يفرد وقتاً طويلاً للعمل مع طلابه الذين أصبحوا الآن من أهم نجوم التمثيل في العالم العربي؛ من بينهم: سلافة معمار، قصي خولي، باسل خياط، عبد المنعم عمايري وآخرون. في تلك الأيام، خرج الأستاذ الجامعي والمخرج المرموق على صفحات الإعلام ليقول جملة حاسمة وقاطعة هي أنّ «التلفزيون ربع فنّ، والمسرح فنّ كامل». فإذا بهذه الجملة تجعله يعيش حصاراً من قبل حيتان التلفزيون حينها، فأُقعد في البيت. ظل عمله كممثل تلفزيوني يأتي في مكانة متأخرة، قياساً بنشاطه الفني، إلى أن جاءت الفرصة الذهبية التي حوّلته إلى ممثل يسجّل حضوراً عالمياً مع واحد من أبرز المخرجين البريطانيين.
لعب مسعود دور صلاح الدين في فيلم «مملكة السماء» (2005) لريدلي سكوت، ثم رفض العمل مع المخرج ذاته في فيلمه Body of lies واعتقد حينها أنه لن يحظى بفرصة الوقوف أمام كاميرته مرة ثانية («الأخبار 25/8/2014). لكن الأمر لم يكن كذلك. دعاه سكوت مجدداً للعمل في «سفر الخروج: آلهة وملوك» (2014). وبين التجربتين، اختلف الزمان مع مسعود: أصبح ممثلاً أول في بلاده، وراح يلعب أدواراً سينمائية واحداً تلو الآخر في «وادي الذئاب» (2006 ــ إخراج سردار أكار وسعدالله سنتورك)، ثمّ أدى بطولة الفيلم التجريبي «ظلال الصمت» (2006) للسعودي عبدالله المحيسن، قبل أن يعود إلى هوليوود في «قراصنة الكاريبي: عند نهاية العالم» (2007) لغور فيربينسكي. وفي السينما المصرية، شارك في «جوبا» (2007) لأحمد سمير فرج، و«الوعد» (2008) لمحمد ياسين، ليرجع مجدداً إلى تركيا في «فراشة» (2009 ــ إخراج سيهان تاسكين وغوناي غونيدين). بعد تجربته الثانية مع ريدلي سكوت في «سفر الخروج: آلهة وملوك»، وربما بسبب الرؤية النقدية القاصرة عن الشريط التي لاحقته شخصياً، رغم أنه غير مسؤول إلا عن أدائه في الفيلم (الأخبار 29/12/2014)، قرر مسعود ــ من دون أن يعلن ذلك ــ أنه لن يتوانى عن قبول أي تجربة سينمائية عالمية. لم يطل انتظاره طويلاً. سرعان ما وجهت له دعوة من وزارة الثقافة الأوزباكستانية، وعاد مبرماً عقده الجديد في فيلم «بارون» (إخراج الروسي رستم سادكيير). يؤدي مسعود دور البطولة في العمل، فيجسد شخصية البارون، عرّاب تجارة المخدرات ورجل الأعمال الفاسد الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.

يصوَّر الفيلم بالتعاون
مع «برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات»


لا يوفر فرصة لاغتنامها بذكاء وبديهة خاصة، يوظف كل خبراته وفراسته في تجارة المخدرات، إلى درجة أنّه يشكل ما يشبه مافيا حقيقية تنشط بشكل واسع لتصل حيثيات فسادها إلى كل الحدود الممتدة بين دول «الاتحاد الروسي». الفيلم من إنتاج وزارة الثقافة الأوزباكستانية بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات». ويشارك في البطولة ممثلون من روسيا وأوزباكستان وطاجكستان. وقد باشر مسعود التصوير قبل أيام قليلة واختار أن يسافر إلى اسطنبول برفقة ابنته لوتس التي يستشيرها نجم «حلاوة الروح» (لرافي وهبي وشوقي الماجري) في لغته الإنكليزية ولكنته البريطانية. لكن هذه المرة لن يكون ضمن الكاست مدرّب لغة كما جرت العادة في السينما العالمية ولن يتدخل أحد في لكنته لأن الفيلم سيدبلج إلى لغات عدة؛ من بينها الإنكليزية والروسية والأوزباكستانية...
نصرّ على مسعود أن يقول لنا شيئاً عن تجربته السينمائية الجديدة، فيفضل أن يصوغ مفرداته بلغة: مَن يُرد أن يفهم، فليقرأ بين السطور. يقول: «شعرت دائماً بأنني أحمل صخرة سيزيف إلى أعلى الجبل لتسقط، ومن ثم أحملها من جديد. لكني لست نادماً، فالندم هو ضعف في مكان ما لأنه عندما تتخذ خياراً ما في هذه الدنيا، فعليك أن تعد نفسك بدفع ضرائب قد لا تكون متوقعة! من هنا، جميعنا نحلم بالضوء والقمة بعد الضوء، ولكن برأيي أننا نطارد السراب، عندما يظن أحدنا أنه وصل إلى القمة. هذه الأخيرة قد تبدو مفهوماً مجازياً أكثر منها أمراً واقعياً، لكن هذا لا يمنع من العمل وكأن القمة قريبة. المسألة أننا نحلم بالعمل ونعمل بالحلم، والناس حولنا نيام. هذه ليست شكوى، إنها الواقع».