الصمت والانتظار والترقّب عنوان المرحلة بالنسبة إلى المثقف السوري هذه الأيام. لن نجد بياناً صريحاً يوضح موقف المثقفين السوريين في الداخل ممّا يجري من أحداث دامية في البلاد. أصدر «اتحاد الكتّاب العرب» في دمشق بياناً إنشائياً وملغّزاً، لم يثر انتباه أحد. بدا كأنه نوع من رفع العتب. فهو حمل عبارات من نوع «يا جماهير شعبنا العظيم»، و«ستظل سوريا موئلاً للحرية والتآخي، وستدحر إلى الأبد جحافل أعدائها المسعورة». نظرية المؤامرة إذاً حاضرة بقوة، ولهذا السبب، وأسباب أخرى معروفة، آثر المثقفون «سياسة السلامة». هناك من غرّد منفرداً. الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى أعلن انسحابه من عضوية اتحاد الكتاب، وتلاه الروائي محمد رضوان، احتجاجاً على بيان الاتحاد.

آخرون وجدوا في فايسبوك ملاذاً للتعبير عن هذه اللحظة الملتبسة.
وكتب الشاعر عادل محمود على صفحته الخاصة: «في المآزق الكبرى قد يكون على المثقف، تجنّباً للمتاريس المغشوشة، أن يقف على الحدود المتنازع عليها كي يرى وضوح الحقيقة، ولا يغرق في التعصّب! ثمة في هذا الكون شيء اسمه... ضمير الهواة».
لكن رأيه ووجه بردود غاضبة: «هذا عماء اختياري»، ردّت أميرة أبو الحسن. وعلّقت هزار سلامة: «لهذا يتأخر المثقفون في اتخاذ المواقف، ونحن نعتقد أنهم يجيدون العزف على أكثر من وتر». وحسم عماد حورية السجال: «ضمير الهواة هو نفسه الذي سيوصل إلى الاحتراف...أي إلى المتاريس الآمنة».
أما الذين خرجوا من المنطقة الرماديّة، وعبّروا عن مواقفهم الصريحة ممّا يجري في سوريا، فقد بدأوا يدفعون الثمن. الروائية سمر يزبك (الصورة) تعرّضت لحملة اتهامات مستهجنة بالعمالة والخيانة والتجريح الشخصي، وسرعان ما انتشرت السموم على الشبكة العنكبوتيّة. إنّه ثمن انحيازها المعلن إلى الشارع السوري، وهي واحدة من المثقفين القلائل الذين لن يتردّدوا في الإفصاح عمّا يمليه عليهم ضميرهم ووعيهم النقدي. كتبت سمر: «لم يعد الخوف يشبه التنفس! الحياة هنا تغيّرت دفعة واحدة إلى الأبد».
هناك إذاً ورشة كاملة لمواجهة أي رأي نقدي بسلاح الشتيمة، ورسائل التهديد، وتشويه السمعة، ليعود المثقف مندحراً إلى خندق الهامش مرةً أخرى. ينبّه نبيل سليمان: «نتطلع إلى مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح، ولا مكان فيها للتخوين والتكفير والمزاودة والتشكيك والإقصاء».