الجزائر | كتب الروائي الجزائري كمال قرور رسالة طويلة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، مرفقة بتواقيع مجموعة من المثقفين والإعلاميين، يطالب فيها بضرورة إرساء «دولة مدنية، لا عسكرية ولا دينية، دولة مؤسسات لا دولة أشخاص. دولة يبنيها المواطنون ويعيشون فيها سواسية تحت سلطة القانون». كانت الرسالة مبادرة جريئة، في وقت انغمس فيه الكثير من الأدباء في فخ الإغراءات والامتيازات والمناصب. الكثير من الإعلاميين والمثقفين في الجزائر استبشروا خيراً بهذه الرسالة، فهبّوا للتوقيع، على أمل أن يسمعهم الرئيس. لكنّ رسالة قرور لم تخرج عن حدود فايسبوك، إذ إنّها لم تجد مكاناً للنشر على صفحات الجرائد في الجزائر، باستثناء صحيفة واحدة هي «وقت الجزائر».

اتصل قرور بالعديد من الصحف، إلا أنّها رفضت مبادرته شكلاً ومضموناً، لأنها موجهة إلى «سيدنا»، وسيدنا مريض بسبب «لغو المحتجين» في كل مكان، وهو ليس بحاجة الآن الى «لغو المثقفين» أيضاً. صُدم قرور بهذا الحصار الإعلامي شبه المحكم: فالصحافة الجزائرية فتحت صفحاتها على الرحب والسعة، للرسالة التي رفعها مدني مزراق ــــ «الأمير» السابق لما يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ ــــ إلى الرئيس بوتفليقة، لكنّها ضاقت برسالته. «الساحة العامة مشرّعة للذين استباحوا أرواح الجزائريين خلال العشرية السوداء، فيما كان كمال يكتب رواياته»، علّق أحد المثقفين.
لم يعد أمام كمال قرور سوى حلّ واحد، سارع إلى اعتماده: ألا وهو نشر الرسالة كإعلان مدفوع! ويقول صاحب «سيد الخراب»: «تلك الجرائد تتباكى على غياب المثقفين في المواقف الحرجة، وتتهم المشهد الثقافي بالرداءة. وها هي تخذلنا في لحظة تاريخية، كنّا نحتاج فيها إلى إيصال صوتنا إلى الرأي العالم».
بعد هذه التجربة، يدعو قرور إلى إعادة النظر في قانون الإعلام. ويطالب السلطة بأن تحرر الإعلان والإعلام، ولا يبقى في قبضتها سيفاً تسلطه على من يختلف معها. «إذا كان من حق السلطة أن تدعم جرائد تخدم توجّهاتها، فإن المؤسسات الإعلاميّة المستقلّة لها الحق في الدعم الحكومي، ومن حقّها أن تستفيد من المال العام». يتحدّث الكاتب الشاب، وهو تحت وقع الصدمة. لقد شعر بأن جمهورية الخراب التي كتب عنها على لسان بطله الفيلسوف «ابن خشد» تمتثل أمامه بكل عبثيتها ومناخاتها الساخرة. يبقى سؤال أساسي، يطرح نفسه علينا جميعاً: من المسؤول عن كل هذا الخراب في الإعلام الجزائري؟