أحياناً تقرأ مضامين الأفلام من عناوينها، لكن نادراً ما يكون بوسع المرء أن يقرأ من خلال العنوان أبعد من مضمون الشريط. تلك هي حالة الشريط الوثائقي الذي أنجزه المخرج المصري الشاب فوزي صالح بعنوان «جلد حي»، وحاز جائزة أفضل عمل أول في «مهرجان سينما البحر المتوسط الدولي» في تطوان أخيراً، يحاوره شريط آخر عرضه مهرجان DOX BOX أخيراً بعنوان «شعر هندي» للمخرج الايطالي الشهير ماركو ليوباردي. لم يعرض فيلم «جلد حي» جماهيرياً في مصر إلا مرة واحدة، خلال تظاهرة «أفلام الحقيقة» التي نظمها «المركز الثقافي الفرنسي». بعد ذلك، قابله المشرفون على عروض «مركز الإبداع الفني» في «دار الأوبرا» برفض شديد. وكانت الحجة لمنع الفيلم كشفه عيوب نظام سابق، غضّ النظر طويلاً عن... عمالة الأطفال.

يصور «جلد حي» (48 دقيقة) إحدى أسوأ وأقسى أنواع العمالة التي يمارسها الأطفال في مصر، العمالة في الدباغة. تغوص الكاميرا في الأحياء المصرية القديمة، وتحديداً قرب مدابغ الجلود التي كانت تشغل في ما مضى مواقع نائية عن العاصمة وأصبحت اليوم وسط أحيائها وبين سكانها. يرصد هذا الوثائقي معاناة الحي السكني الملاصق للمدابغ، جراء التلوّث الذي تخلفه، ومعاناة الأطفال الذين ساقهم قدرهم إلى العمل هناك، ومخاطر تعرّضهم للمواد الكيميائية المستخدمة. ورغم أنّ تلك الصناعة تدرّ الكثير من المال على أصحابها، لا تسدّ رمق هؤلاء الفقراء.
أمّا «شعر هندي» (80 دقيقة) للمخرج الإيطالي ماركو ليوباردي فيرصد جزءاً من حياة أسرة هندية، في طريقها للتبرع للمعبد بشعرها، درءاً للمرض والفقر ونوعاً من تسديد «ديون فيشنو»، حسب ما تقتضيه الأسطورة القديمة. ذلك الشَعر الذي يقدم بملء الإرادة، من دون أي مقابل مالي يذكر، يكتسب قيمة تجارية كبرى، بعد تصديره إلى ايطاليا، حيث يشتريه السيد «غولد»، صاحب شركة «الطول الرائع»، إحدى أشهر شركات العالم في تصنيع إضافات الشعر. ورغم أن هذا الفيلم لا يحمل في داخلة معاناة جسدية، فهو يحمل رسالة «جلد حي» نفسها: تضحيات الجماعة تسرقها نخبة صغيرة، وتضاعف بها امتيازاتها وثرواتها.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى مشاهدة الفيلمين: هل هما شكوى من الجهل والفقر، أم تعرية لكل أشكال استغلال البشر؟ يأتي جزء من الإجابة على لسان فوزي صالح الذي قال: «إننا محرومون من الحياة، ليس بإرادتنا، بل مرغمين. الناس في ذلك المكان (المدابغ) أشخاص منتجون، وليسوا قتلة، ولا لصوص، أو قطّاع طرق، كما تصورهم أغلب الأفلام المصرية. ورغم كل بؤسهم وفقرهم (...) يحاولون العيش بالطريقة المتاحة لهم».
اليوم، بعد الثورة المصرية، وبعد المناداة بـ«تطهير صناعة السينما المصرية من الفادسين»، هل نرى أفلاماً أخرى تحكي عن المآسي التي ارتكبها النظام السابق؟ وهل يتراجع «مركز الإبداع الفني» في «دار الأوبرا» عن موقفه القمعي، ويعرض «جلد حي»؟