«وجه النائم» (دار الساقي) للكاتب السعودي عبد الله ثابت، أكثر من رواية وأكثر من قصة. بالإمكان تقصير الرواية وتطويلها، من دون أن يُحدث ذلك أيّ خلل فيها. يعزز هذا الانطباع طابعها الشعري لجهة اللغة، وتعدُّد ثيماتها على صعيد المضمون.تبدأ الرواية قوية، بلغة شاعرية صافية، خصوصاً في الصفحات الخمس الأولى. لكنّ البناء الروائي لا يتطوَّر تباعاً، بل يتحول السرد إلى تهويمات شعرية، لا تقول شيئاً محدداً، بل تسرد أشياء كثيرة في وقت واحد. يفعل ثابت ذلك بلغة الحكم والمقولات فلسفية. غسان بطل الرواية، رجل سعودي، يسرد تاريخ حياته منذ كان جنيناً. يحكي كثيراً عن علاقته بمجتمع يعدّه متخلفاً وجباناً، يعيش تديناً كاذباً. ينقل الروائي سيرة شخصية متشظيّة، في عالم ما ورائي مفترض. أحداث يوميّة ليست غريبة مثل عراك الأطفال، يرفعها ثابت إلى سقف عالٍ، وأحداث غريبة مثل الإعدام بالسيف في الشارع، لا يتوقف لمناقشتها طويلاً.
هناك الكثير من التقطيع في هذا الكتاب الذي يبدأ بما يشبه المقولات الأثيرة الأقرب إلى الشعر منه إلى أي شيء آخر. تليها «المنامات» أو الأحلام وتفسيرها، ثم تهويمات طويلة... يعود الكاتب بعدها إلى بطله غسان حيناً، وإلى المرأة المجهولة ماريا حيناً آخر، ثمّ ينصرف إلى شكل كتابي آخر، أقرب إلى الأقصوصة أو القصة القصيرة، ويستمرّ حتى نهاية الكتاب باللغة الشعرية ذاتها وبالموضوع نفسه. بالإمكان القفز عن عدد من هذه الصفحات ومواصلة القراءة من دون أن نشعر بحدوث أي قطع.
بإمكان القارئ أيضاً أن يبدأ من النهاية من دون أن يحدث أي خلل في متعته. من يعرف أن الكاتب شاعر أيضاً، لا يستغرب الأمر. فهذه الرواية كان يمكن تحويلها إلى ديوان شعري أو أكثر من ديوان، لو اختار ثابت أن يقتصد في لغته، ويعيّن مواضيعه بوضوح. لكنّه عوضاً عن ذلك، اختار ألا يتنازل عن الفلسفة التي يظهر كمن يريد اجتراحها بالقوة. صحيح أن الشعر بلا فلسفة لا يبقى شعراً، لكنّ الموهبة الفذة تستطيع الإتيان به من آفاقه العالية، بشيء هو أقرب إلى الفطرة والأصالة منه إلى الاجتراح.
لا تختلف «وجه النائم» عن روايات عبد الله ثابت السابقة على صعيد الشكل الكتابي، لجهة الشعرية في اللغة والإبحار في عوالم متناقضة وغيبية. شكل جعله يهمل أو ينسى البناء الروائي وبناء الشخصيات، وتطور الأحداث. تنطلق الرواية مثلاً من فكرة غريبة وقوية، إذ نجد أنفسنا أمام جنين يتحدّث عن عالمه الداخلي، ويرفض الخروج إلى العالم، لأنّ أمه ستموت بمجرد أن يخرج من أحشائها. لكن الكاتب لم يطور الفكرة، بل انتقل منها إلى أفكار متشعّبة، داخل فضاء لغوي شاسع. قد تنجو من هذه الطريقة في الكتابة روايته السابقة «الإرهابي 20» التي ترجمت إلى الفرنسية أخيراً، لكنّه هناك أيضاً، لم يتخلَّ بطبيعة الحال عن اللغة الشعرية التي تقترب من لغة محمد الماغوط في سهولتها وسخريتها من كل شيء. في الخلاصة، تُحسب لعبد الله ثابت في «وجه النائم» قدرته على مصارحتنا بأشياء تحدث في مجتمع، وتطرّقه إلى محرّمات كثيرة.