على هامش عرض فيلمه «حلب مقامات المسرة» في مقرّ «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» في النبطية، زار السينمائي السوري محمد ملص قلعة الشقيف، المطلّة على الأراضي المحتلة وعلى الشام. هناك، تحدّث صاحب «أحلام المدينة» لـ«الأخبار» عن دور المثقفين في ما تشهده سوريا من حراك اجتماعي صاخب. يرى ملص أنّ «الحاضن الأساسي للثقافة هو الديموقراطية، وغياب الديموقراطية أدى دوراً كبيراً في تضاؤل قدرة المثقف على التعبير، سواء على صعيد الأدب أو على صعيد السينما والمسرح». ويمضي أبعد في تشخيص انهيار المثقف السوري: «حين يرفع شعار الولاء مرجعاً أساسياً، يكتسح أشباه المثقفين المشهد، ويحتلّون مواقع القرار التي تتحكّم بالإنتاج الثقافي». ويوضح السينمائي البارز أنّ المؤسسات الثقافية في بلاده «مؤسسات مترهلة بسبب وجود قوانين تقيّد قدرتها على إعطاء الثقافة دورها الجوهري الذي يجب أن تقوم به. وهذا الواقع فتح كل المجالات مثلاً لسينمائيين «مريحين» للنظام، وقادرين على إنتاج ثقافة كالتي تفرّخها «أجهزة التفريخ». نتاجات «بلا لون ولا طعم ولا رائحة». هذا كلّه جعل المثقفين السوريين سواء في الخارج أو في الداخل غائبين عن ممارسة دورهم، بحسب ملص. «كان المثقف غائباً عن قول رأيه حيال ما يجري في سوريا. طبعاً أنا لا أتحدث عن الحدث السياسي الحالي بهدف تقويمه، ولا أريد أن أنزّه شيئاً أو أحداً، أو أنظر الى الأحداث بسذاجة، لأنّ الصورة بالنسبة إليّ شخصياً، ليست واضحة بما فيه الكفاية».ما جرى برأي السينمائي السوري، يشير إلى أنّ «غياب الثقافة والمثقف عما يجري، لا يعود إلى حالة طارئة أو أحداث طارئة»، بل الى تراكم تجارب تغييب الثقافة الفاعلة، خلال فترة زمنية طويلة: «إذا كنت أتحدث عن جيلي، فهم شهود قدماء على حالة الثقافة في سوريا، وهم ضحايا هذه الحالة في آن. لكنهم لم يخونوا أنفسهم، وقد لمحنا في فترات متباعدة مواقف لأسماء عجزت عن الصمت، نظراً الى ارتباطها العضوي بمجتمعها وبلدها».
ويرى ملص أنّ الحل الوحيد كي يستعيد المثقفون دورهم الريادي، هو توافر مناخ ديموقراطي، و«تلاحم مع حركة المجتمع بشكل صحيح» ... ويستدرك: «لكنني لا أريد أن ألقي المسؤولية فقط على السلطة السياسية، أو أرجع كل المشاكل إلى غياب الديموقراطية. أعتقد أنّ جيلنا يجب أن يتأمل عميقاً في تجربته، ويعيد النظر في أفكاره، ومنجزاته. من جهة أخرى، لا بدّ للجيل الحالي من أن يؤدي ما لم ننجح فيه نحن: أي تحويل أهل الثقافة إلى قوّة وطنيّة قادرة على ممارسة دورها في استقبال أي حراك اجتماعي، وفي توجيهه ... وأن تتحول الى قوة مدافعة ومرشدة، وتكفّ عن حيادها، أو عجزها عن المواكبة».