في «سماء خفيفة» التي عرضت أمس واليوم على «مسرح بابل»، تتخلى المخرجة السويسرية سوزانا ماري فراجه عن العناصر التي تساعد ممثلة وحيدة على إقناع المشاهدين طوال 50 دقيقة. لا مبالغات في الأداء. الإضاءة بسيطة. المؤثرات الصوتية قليلة. الديكور مغيّب.

العرض الذي تتسيّده الممثلة الفلسطينية تهاني سليم، مأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه للشاعر الفلسطيني غسان زقطان. إنه مونولوج سردي على لسان ممثلة وحيدة، تبدو كأنّها تجوّف أجزاءً من النص، كي تدسّ فيه وجهة نظرها في فكرتَيْ الشتات والعودة، أو تمزج هذه الوجهة مع وجهة نظر النص الأصلي. هناك تقشف ملازمٌ لكل تفاصيل العرض تقريباً. امرأة وحيدة في رام الله الخاضعة لمنع التجوال. جندي إسرائيلي في حديقة الجيران، وقناص متربّص بأي حركة بشرية. المرأة تفتقد الحياة اليومية العادية في الخارج. فنجان قهوة على الشرفة يصبح رغبة مستحيلة. جسد محبوس تفكر صاحبته بمطر مباغت. جارةٌ تُرخي طرف الستارة كي يمدّ الفتى المتلصّص مخيلته الطازجة بصورٍ شهية. رشقات بنادق وانفجارات... «لماذا أنا في رام الله»، تقول المرأة التي نعرف أنّها عاشت في الشتات، واختارت نوعاً من العودة غير الكاملة بعد أوسلو.
الوحدة والحصار هما مفتاح الكلام عن تراجيديا ذاتية تنضم سريعاً إلى التراجيديا الفلسطينية العامة. تتذكر المرأة طفولتها في المخيم. تستعيد حكاية «مريم» التي قتلها أهلها بداعي الحفاظ على الشرف. الحصار مترجم في شكل الغرفة المقتطعة من مساحة الخشبة، على شكل جدران بيضاء خالية من الأثاث. الاختزال السينوغرافي هو حصيلة فكرة الاختزال الشاملة التي اعتمدتها المخرجة السويسرية خياراً إخراجياً صارماً. المخرجة والممثلة مكتفيتان بآلام النص وحكاياته. اكتفاءٌ قائم على مادة مماثلة في النص الذي سعى فيه زقطان إلى تخليص فلسطين من الاستعارة والبلاغة. إنها «حالة حصار»، بحسب قصيدة لمحمود درويش، حيث تصعب تربية الأمل مع أعداء يدوسونه بدباباتهم، وحيث تدور مقارنة عبثية ويائسة بين الحرية في الشتات والأسر في الوطن.
العرض يمتحن قدرتنا على التمتع بأداء يمنح البطولة للحكاية الفلسطينية بعد إخلائها من التهويل البلاغي. إنها حكاية بشرٍ ضجروا من كونهم أبطالاً وشهداء، ويريدون العيش كبشر عاديين في بلاد عادية.

8:30 مساء اليوم ــ «مسرح بابل» (الحمراء): 01/744033
مساء 21 و22 الحالي ــــــ «المعهد العالي للفنون المسرحيّة»: 00963112234716