دمشق | قدمت السينما المصرية عام 1963 فيلماً من بطولة نبيلة عبيد وفريد شوقي يحكي سيرة الشاعرة المتصوفة رابعة العدوية، أظهرها بصورة وجدها النقاد مغلوطة لا تتقاطع مع حقيقة مؤسسة مذهب العشق الإلهي. بعد ذلك، لم تجرؤ الدراما العربية على الخوض في حياة هذه الشخصية التاريخية الإشكالية. لكن نسرين طافش ستكون السباقة إلى تقديم سيرة رابعة العدوية في مسلسل تستعد لإنتاجه عبر شركتها «ميراج للإنتاج الفني والتوزيع» لهذا العام. مع اقترابها من انتهاء تصوير مسلسل اجتماعي معاصر يحمل عنوان «كريزي» من كتابة علا ملص، وإخراج مصطفى البرقاوي، أعلنت الممثلة السورية الشابة الانطلاقة الحقيقية لشركتها في عمل تاريخي يسرد تفاصيل رحلة شهيدة العشق الإلهي، من خلال عمل كتب نصه السيناريست السوري عثمان جحا، ويتولى إخراجه زهير قنوع، في أولى تجاربه مع الدراما التاريخية، وتؤدي طافش دور البطولة. وفي حديث لـ«الأخبار»، يخبرنا المخرج السوري الشاب أنّه بعدما انتهى من الجزء الثاني من مسلسل «يوميات مدير عام»، اتصل بالجهة المنتجة لمسلسل «رابعة العدوية... العشق الإلهي»، واقترح نفسه مخرجاً للعمل؛ «لأنني أود الابتعاد عن الكوميديا، ثم صرت أحتاج إلى فرصة حقيقية تكشف عن إمكاناتي الإخراجية على نحو حقيقي». بثقة كبيرة، يشرح قنوع أنّ الشركة المنتجة أعدت العدة لخوض هذه التجربة الخاصة، بدءاً من التعاقد مع أهم الفنيين في سوريا: من ستيلا خليل في الأزياء، وناصر جليلي في الديكور، وفهر الرحبي في إدارة الإنتاج، وطاهر مامللي في الموسيقى التصويرية وتلحين الأغاني التي ستؤديها نسرين طافش بصوتها. وسيشارك في بطولة المسلسل جمال سليمان (الحسن البصري)، إضافة إلى فرح بسيسو، باسم ياخور ومجموعة من النجوم الشباب.
سيفتح العمل شارته قبل 15 عاماً من ولادة رابعة العدوية (100 ـ 180هـ) ليحكي قصة والديها وكيف أنجبا أربع بنات آخرهنّ الشاعرة المتصوفة. ويمتدّ ليغطّي حياتها التي قاربت الثمانين، ليحكي عن قرن في حقبة غنية بالأحداث من التاريخ الإسلامي. وتُطوَّع هذه الأحداث في حبكات درامية تسير بخطوط متفرعة إلى جانب الخط الرئيسي الذي يحكي سيرة الشاعرة الزاهدة. وسيمر على معاناتها من القهر والظلم والاستعباد، إلى جانب إجبارها على العمل جاريةً، ثم تشردها، والقدر الذي واجه شقيقاتها الثلاث بعد وفاة الأبوين وافتراقهن لأكثر من مرة، وصولاً إلى انتهائها في السجن الذي جعلها تزهد بكل الدنيا، وتخلص إلى أنّ الله هو الحب، وتؤسّس مذهب العشق الإلهي. كذلك، سيتوقف العمل عند أحداث غريبة صادفتها في السجن، ما أجبر سجّانها على إطلاق سراحها لتقضي بقية عمرها زاهدة متصوفة. من جهة ثانية، يمر المسلسل على كل قصيدة ألفتها، بالتوازي مع الأحداث التي كانت تشهدها تلك المرحلة من انهيار للحكم الأموي، وقيام الدولة العباسية وينتهي مع موت رابعة العدوية.
ورغم ابتعاد الجمهور عن المسلسلات التاريخية لمصلحة الدراما الاجتماعية المعاصرة التي تعكس حياة المشاهد وهمومه إلى حد كبير، إلا أنّ المخرج زهير قنوع يراهن على أنّ المسلسل سيحقق جماهيرية كبيرة، ويقول: «بين يدينا نص محكم، اعتمد على مفاصل أساسية في حياة هذه الشخصية، مدعوماً بمراجع تاريخية هامة. ورغم ملاءمة الحوار لتلك المرحلة، إلا أنه يتمتع ببساطة وسلاسة في سرد الأحداث وغنى في الحكايات يخلق فرجة ستحقق جماهيرية كبيرة».
إذاً، بين مدينة إنتاج سينمائي في ريف دمشق، ومكتب «عنبر» في العاصمة السورية، وصحراء تدمر، وضفاف نهر الفرات في الرقة، سينطلق تصوير العمل في 15 نيسان (أبريل) المقبل ليستمر تسعين يوماً تدور فيها كاميرتان تصوران الأحداث التي دارت حقيقة على ضفاف دجلة، ومدينتي البصرة ومرو ضمن ميزانية ضخمة رصدتها الشركة المنتجة بحسب زهير قنوع.
من جانب آخر، يرى قنوع أنّ إشكالية الشخصية محور العمل واختلاف البعض بشأنها، سيتعرضان لبعض الانتقادات من دون الدخول في مواجهات مع رقابة دينية. أخيراً، يكشف قنوع أنه سيقدم عملاً يحترم ويلتزم بشكل المرحلة التاريخية من دون أن يكف عن التجريب الذي اعتاده في أعماله السابقة، على أمل تقديم رؤية مختلفة عن تلك الحقبة.
أما بطلة العمل ومنتجته نسرين طافش، فتقول لـ«الأخبار»: «اخترت تقديم سيرة رابعة العدوية لما تتمتع به من غنى، ولأنّنا صرنا بحاجة إلى جرعة من الروحانيات، وهي إحدى أهم المتصوفات».
إذاً، الدراما السورية تنحو باتجاه تاريخي بعد نجاحات مشهودة حققتها في هذا المجال تحديداً. ويبقى المشاهد الحكَم الأخير إن كان مسلسل «رابعة العدوية... العشق الإلهي» سيتبع قائمة النجاحات أو سيكتفي بالوقوف على الأطلال!



منافسة بين شريهان ونسرين

رابعة العدوية لن تكون حكراً على السوريين؛ إذ تردّد أنّ الفنانة المصرية شريهان رُشِّحت لبطولة مسلسل يروي سيرة المتصوفة الشهيرة. وكان مدير أعمال الفنانة جمال أنور، قد أشار إلى أنّ مسلسل «رابعة العدوية» هو العمل الفني الوحيد الذي ترغب النجمة المصرية في تقديمه عندما تسمح لها صحّتها بذلك. هكذا، سيكون مسلسل رابعة العدوية فرصة منافسة قوية بين نسرين طافش وشريهان (الصورة). علماً بأن التاريخ يرجح كفة السوريين في صناعة العمل التاريخي، ولا سيما أنّ هناك شخصيات محددة تناولتها دراما البلدين قبلاً، مثل الظاهر بيبرس. لكن النجاح كان حليف السوريين على نحو واضح.