الذين شاهدوا رائعة بيتر بروك «المهابهاراتا»، يذكرون ربّما ذلك الفتى الذي أدّى شخصيّة إيكالافيا في الملحمة الهنديّة الشهيرة. الصائد الماهر الذي قطع إبهامه فدية لمعلّم ـــ أو «غورو» ـــ افتراضي، رفض تلقينه فنون الرماية بالقوس (درونا)، جسّده يومذاك ممثل يافع في الرابعة عشرة، ترك ضاحيته اللندنيّة ليتبع «غورو» من نوع آخر هو بيتر بروك. إنّه أكرم خان الذي يعدّ الابن الرهيب للرقص المعاصر في بريطانيا. بدأ الرقص في السابعة، حسب تقاليد الـ«كاتاك» (شمال الهند) التي تستحضر الآلهة، في مكان ليس بعيداً عن الـ«مهابهاراتا» والـ«ناراياما»، ثم اقتحم الرقص المعاصر، أميناً لتقاليد أجداده حيث يتواشج في طقس واحد الديني والدنيوي، ويلتقي الرقص والموسيقى والتمثيل. «طريق» طويلة قطعها الراقص والكوريغراف الشاب بين موردن جنوب لندن، حيث تعيش الجالية البنغاليّة التي يتحدّر منها، والعالم الواسع المشرّع على التنوّع والاختلاف...

وصولاً إلى بكين حيث قدّم «باهوك» (٢٠٠٨) مع الباليه الوطني الصيني. ذلك العرض الذي يطرح سؤال الهجرة والموطن، يمثّل ذروة النضج في مسيرة خان، ويقترب من عمله الذي يقدّم قريباً في بيروت ورام الله (برعاية «المركز الثقافي البريطاني»،) بعنوان «الطريق العموديّة» (٢٠١٠).
يضع خان الثقافات المختلفة في وضعيّة مواجهة، كما يضع أشكال التعبير الفنيّة والمدارس في مواجهة أيضاً. بين الـ«كاتاك» والباليه مثلاً، كما فعل مع سيلفي غيلام في «وحوش مقدّسة» (٢٠٠٦). يعيش في منطقة ملتبسة بين فضاءين: من جهة التقنيات التقليديّة لتلك الرقصة الموقّعة الرشيقة والموسيقيّة التي تقوم على خبطات القدمين المزنرتين بالشناشيل، والحركات الدائريّة لليدين والمعصمين، والتماوجات المعلّقة والفتلات المباغتة، كما يجسّدها بامتياز في Gnosis (٢٠٠٩)، ومن الأخرى عالم الرقص المعاصر وأدواته ومفرداته وأسئلته، التي عبّر عنها في «الدرجة صفر» (٢٠٠٥) عبر ثنائي نادر كوّنه مع زميله البلجيكي/ المغربي سيدي العربي الشرقاوي.
«الطريق العموديّة» من وحي مولانا جلال الدين الرومي، رحلة صوفيّة إلى الأعماق، بحثاً عن معنى الوجود. خان الذي لا يرقص في هذا العمل، يقدّم هنا كوريغرافيا ديناميّة تعطي طاقة للمجموعة المتعددة الإتنيات (ثلاث راقصات وخمسة راقصين، من سلوفاكيا، اليونان، كوريا، اسبانيا، تونس، مصر...). قوّة انخطاف في رحلة ارتقاء تصاعدي، يقودها شيخ الطريقة الملتحي، الرائي المتوحّد (صلاح البروجي)، على موسيقى نيتين ساوهني، الشريك الدائم لمسيرة خان الكوريغرافيّة.
خشبة المسرح مقسومة بغشاء بلاستيكي هائل يتحرك حوله الراقصون المتلفّعون بالأبيض، كأنّه الحدّ المجازي الفاصل بين العالم والماوراء، بين الوجود والغيب، الأحياء والأموات، الواقع والحلم، الملموس والرؤيوي. أكرم خان يشتغل دائماً على الحدود، لا كحاجز يفصل ويفرّق، بل كمنطقة تماس ولقاء وتقاطع والتحام بين الأضداد. الحدود تؤكّد الاختلاف والمسافة، وتفتح احتمالات اللقاء والتجاور والحوار. هذه المقاربة قد تخاطب عدداً كبيراً من المشاهدين في العالم العربي...




26 و27 نيسان الحالي ــــ «مسرح المدينة» (بيروت)، يليها لقاء مفتوح مع أكرم خان
5 أيار (مايو) المقبل ــــ رام الله
www.maqamat.org/bipod2011