الدوحة | من مقرّ صغير في «سوق واقف» التراثي في الدوحة ــ هو في الأصل مقر إذاعة «صوت الريان» القطرية ــ يتحرك عشرات الشباب الليبيين في سباق مع الزمن. يتحدون ثلاث قنوات ليبية لكسب «معركة الإعلام» التي يجزمون بأنّها لا تقل أهمية عن معركة السلاح التي يقودها الثوار في الميدان.استوديو للبث لا تتعدى مساحته بضعة أمتار، وقاعة صغيرة للتحرير، وأخرى للإخراج، كانت كافية لتحقيق انطلاقة 12 موظفاً ليبياً استجابوا لنداء على «فايسبوك» بالتطوّع في قناة «ليبيا» المعارضة لنظام القذافي، فإذا بالمحطة تبصر النور في 30 آذار (مارس)، متخذةً من العاصمة القطرية مقراً لها. «الدكتور ستجده في أي مكان. لا مكتب له حالياً» هكذا أجابنا أحد الصحافيين عندما سألنا عن مكتب محمود شمام أحد مؤسسي «ليبيا» الذي كان جالساً مع مسؤول قسم المراسلين والمحررين مجاهد البوسيفي الآتي من قناة «الجزيرة».
«نحن لا نولد من أجل أنفسنا، بل من أجل وطننا» هو أحد الشعارات التي زين بها الموظفون مكاتبهم المتواضعة، بينما العلم الليبي القديم معلّق على واجهة مكاتبهم وهواتفهم والكمبيوتر وفي كل مكان. يحكي محمود شمام لـ«الأخبار» عن البدايات: «كانت هناك حاجة للحديث عن وجهة نظر الثوار على الأقل من الخارج، بعدما تعذّر بثّ القناة من داخل ليبيا. جاءت المحطة للتصدي للحملات الإعلامية والنفسية التي تشنّها محطات النظام. وفي خلال 11 يوماً، كنّا على الهواء بفضل جهود 12 ليبياً فقط في المرحلة الأولى». ويشيد شمام بطاقم المقدمين والمذيعين من الليبيين الذين جاؤوا من كل حدب وصوب: «لدينا 85% من طاقم غرفة الأخبار من الجنسية الليبية، ومعظم المنتجين أيضاً، إلى جانب كفاءات عربية مهمة».
ورغم تعيينه مسؤولاً عن الملف الإعلامي للمجلس الوطني الانتقالي الناطق باسم الثوار، يرفض شمام الربط بين القناة والمجلس «القناة جاءت بمبادرة شعبية. لكنّنا وضعنا أنفسنا في خدمة المجلس الانتقالي». ويستطرد: «أحياناً، هناك أمور لا تحتاج إلى التفكير تماماً مثل قناة «ليبيا». كل أصدقائي الإعلاميين الموجودين في الدوحة كانوا جزءاً من المشروع. الفكرة بدأت من الدوحة. وهناك أيضاً فريق من المؤسسين، مثل مدير القناة محمد العكاري، ومجاهد البوسيفي وهدى السراي وآخرين».
ويقر شمام بالدعم القطري القوي في تحقيق الانطلاقة «عبر منحهم الفرصة للبث من إذاعة «صوت الريان» الجاهزة، لكننا أشرفنا بأنفسنا على إعداد الاستوديوهات». وعن سر اختيار قطر للبث، يقول: «قطر أول من وقف مع الشعب الليبي من خلال توفير دعم مادي ومعنوي ولوجستي وغذائي وطبي». وهنا، لا يجد حرجاً في الاعتراف بأنّ القناة تحظى بدعم مالي ولوجستي من الدوحة، ولا يرى في ذلك ما يعيب مهنيتها.
يرى شمام أنّ القناة باتت تتمتع بصدى قوي في الأراضي الليبية: «لدينا استوديوان وفريق عمل في بنغازي والأراضي المحررة. والطاقم الليبي هنا يضم حالياً نحو 46 شخصاً، ومعهم طاقم إذاعة «صوت الريان»، ونبث ستّ نشرات يومياً حول الشأن الليبي حصرياً، وثلاثة برامج». وأضاف: «نحن الآن في مرحلة انتقالية، لكنّنا سنعمل مستقبلاً على بث نشرة أخبار محلية وعربية ودولية، وهذا مرتبط بالبث خلال 24 ساعة الذي نطمح إلى أن نصله خلال ثلاثة أسابيع. كذلك لدينا برامج تحظى بمشاهدة مثل «ليبيا والناس»، حيث تصلنا مئات المكالمات من ليبيا، وخصوصاً من المناطق التي يسيطر عليها القذافي».
إذاً، أول قناة ليبية حرة اختار مؤسسوها أن يسندوا إدارتها إلى محمد العكاري الآتي من لندن. يرى العكاري أن «التحدي الذي تواجهه قناة «ليبيا» هو بناء المجتمع الحديث. البلد مر بـ42 عاماً من انهيار المؤسسات. وهذه القضية نفكّر فيها يومياً: كيف نربي الشعب الليبي على فكر المؤسسات، لأنها الضامنة للدولة».
وعن برامج القناة، قال العكاري: «بدأنا بث برامج حوارية. وهناك خمسة أو ستة برامج في طور الإعداد، أحدها سيكون من بنغازي، وبرنامج أسبوعي من لندن». وعن عدد المراسلين، قال: «لدينا عدد كبير. نحاول الآن صنع مؤسسة إعلامية. نريد أن نكون صارمين في توظيف الناس، لأن مسألة التطوع لا تفي بالغرض. من كل مدن ليبيا تقريباً، تصلنا الكثير من التقارير. ولدينا الآن استوديوان كبيران في بنغازي يضمّان 15 عضواً يتحركون في البريقة وكل المناطق التي تتحرر، ومراسلون في مصراتة وطرابلس التي يصلنا منها الكثير من الصور».
ويراهن العكاري على دور إقليمي للقناة بعد رحيل نظام القذافي: «نحن لا نطمح إلى منافسة «الجزيرة» أو «العربية». نتحدث الآن عن قناة «طوارئ» إذا جازت تسميتها كذلك، لكن من خلال موقع ليبيا الاستراتيجي، نطمح إلى أن يكون للمحطة دور كبير أمام الفراغ الإعلامي في البحر الأبيض المتوسط».



إلى طرابلس... در

أكّد محمود شمام أنهم يخططون للانتقال إلى طرابلس خلال ثلاثة أشهر فيما تراهن قناة «ليبيا» على تحقيق بث 24 ساعة في اليوم بعد ثلاثة أسابيع. ويجزم شمام بأنّ البث من الدوحة ظرفي: «إن شاء الله سننتقل إلى طرابلس، وهذا يعرفه القطريون. نحن نستعين بإذاعة «صوت الريان» لمدة ثلاثة أشهر، وسننتقل إلى طرابلس بعدها». في المقابل، ينفي شمام أن تكون قناة «ليبيا» تجارية، لافتاً إلى أنها تتخصص في الشأن الليبي حالياً، لكنّها تراهن على أن تكون قناة مغاربية أفريقية مستقبلاً.