بعد سنتين ونصف سنة أمضاهما في السجن، أفرجت السلطات الفرنسيّة أخيراً عن الشاب مامي. أمضى أمير الراي عقوبته في سجن مولان الباريسي، بعدما أدانته المحكمة عام 2009 بتهمة الاعتداء على صديقته السابقة، المصوّرة الصحافيّة الفرنسية إيزابيل سيمون، ومحاولة إجبارها على الإجهاض، وقضت بسجنه خمس سنوات. أسالت قضية الشاب مامي الكثير من الحبر، ووضعت صورة المغني الشهير على الصفحات الأولى في الجرائد الجزائرية والفرنسية.
في منزله الباريسي، يبدو مزاج الشاب مامي صافياً بعد خروجه من خلف القضبان، ضمن إطلاق سراح مشروط التمسه للمرة الأولى العام الماضي. يريد طيّ صفحة الماضي، والعودة إلى الحياة الفنية سريعاً: «لا أريد الحديث عن تلك المرحلة السوداء. أعتقد أنني تطرّقت إلى الملابسات أثناء المرافعة. لا يهمني اليوم سوى التفكير في المستقبل، وإعداد ألبومي الجديد».
قطيعة ضروريّة مع الماضي القريب الصاخب، كي يستعيد الفنّان حياته المهنية، هو الذي باع أكثر من أربعين مليون أسطوانة حول العالم. كان الشاب مامي أوّل مغنٍ يمزج بين الراي والروك، بينه وبين الأغنية القبائلية والراب والموسيقى السلتية. عند ذروة نجاحه، كان يعدّ الغريم الفعلي لـ«الكينغ»، الشاب خالد الذي اعترف مرّة: «يبرز اسمي على نحو أوسع، كلّما غاب الشاب مامي».
وُلد الشاب عام 1966 في مدينة سعيدة بالقرب من وهران عاصمة الراي، وترعرع في أحد الأحياء الفقيرة، في كنف عائلة محافظة وبسيطة. عمل والده في مصنع للورق ليعيل أطفاله التسعة، ما أجبر محمد الخليفاتي (اسمه الحقيقي) الصغير على العمل لمساعدة أبيه على كسب لقمة العيش. رفض الأهل في البداية خياره العمل في ميدان الموسيقى، لكنهم غيّروا رأيهم بعدما سطع نجم الصغير، وفاز في السادسة عشرة بالمرتبة الثانية في البرنامج التلفزيوني «ألحان وشباب»، حيث أدّى أغنية «المرسم» لبلاوي الهواري، أبي الأغنية العصرية الوهرانية من دون منازع.
صادف الإفراج عن الشاب مامي في 23 آذار (مارس) الماضي، مع بداية فصل الربيع، وتوسّع دائرة الربيع العربي، وتفتح الثورات الشعبية التي تابعها منذ انطلاقتها. «جميل جداً أن يتزامن خروجي من السّجن مع هذه الفترة التاريخية المهمة التي يعرفها الوطن العربي. أتابع تطورات الوضع منذ البداية. أعتقد أنّنا نشهد اليوم ولادة وعي جديد، وجيل جديد من شباب مدرك لحتميات الراهن، واستطاع وحده كسر جدار الخوف». ويُسرّ صاحب «يا حمامي» لـ«الأخبار» عن نيته أداء أغنية تكون بمثابة تحية للشباب المؤمن بحقه في التّحرر، الشباب الذي يقود ثورات التّغيير العربيّة.
بعيداً عن يوميات الثورة، يعود بنا الشاب مامي إلى ألبومه الأول «معاك معاك» الذي أصدره على شريط كاسيت منتصف الثمانينيات، في وقت كان فيه الراي ممنوعاً. حقّق شهرة واسعة في الجزائر من خلال أغنيتي «لزرق سعاني» (الأزرق قصدني) و«أدوها عليّ» (خذوها عني). لكنّه لم يلج بوابة النجومية وعالم الاحتراف إلا مطلع التسعينيات، مع ألبوم Let me Rai الذي سجّله في نيويورك (العنوان يلعب على البكاء cry والراي، وترجمته يمكن أن تكون: دعني أغنّي الراي)، وضمّنه أغنيتا «فاطمة» و«راه أداني». لكنّ الألبوم لم يلقَ الصدى المطلوب بسبب تزامنه مع حرب الخليج الأولى التي استحوذت على كل الاهتمام آنذاك. توجّب عليه انتظار أربع سنوات كاملة لإصدار ألبوم «سعيدة» الذي تضمّن أغنيات صارت تمثّل جزءاً من ﺇرث الراي مثل «أحبابي»، و«بنت البارح» و«غير أنت». كان ذلك الألبوم قفزته الحقيقية إلى عالم النجوميّة.
يتذكر مامي البدايات قائلاً: «الراي ماشي في الدّم. هو ليس موسيقى وفقط، بل نمط عيش». وتواصلت نجاحات أمير الراي مع ألبومات «أدوني لبلادي» (1996) و«مالي ... مالي» (1998)، و«دلالي» (2001)، ثمّ «من الجنوب إلى الشمال» (2003). حوت هذه الأسطوانة أكثر من دويتو مع عدد من المغنين العالميين المعروفين، أهمهم البريطاني ستينغ في أغنية «وردة الصحراء» Desert Rose، إضافةً إلى مواطنته سميرة سعيد في «يوم ورا يوم» الأغنية التي حققت شهرة كبيرة في العالم العربي.
استمرّ تعاون مامي مع مغنين عرب في آخر أسطواناته «ليالي» (2006) التي اتسمت بمسحة مشرقية من خلال إدراج دويتو مع كاظم الساهر (أجلس في المقهى) وآخر مع إليسا (حليلي)، بينما حملت كلمات أغنية «تجي تجي» توقيع المغني مروان خوري. لكنّ الألبوم ذهب ضحية انشغال المغني بتطورات المتابعة القضائية، ولم يلقَ الترويج الضروري له ... وها هو الشاب يعود بعد الانقطاع القسري، بنيّة العودة مجدداً إلى هذا الألبوم، «عملت طويلاً على مجموع الأغاني التي يتضمنها، وأشعر بأهمية إعادة تقديمها إلى الجمهور».
خلال مسيرته الفنيّة، توّج الشاب مامي بالكثير من الجوائز، من بينها «وسام الاستحقاق» الفرنسي عام 2003. يومها وصفه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ﺑـ«الفنان الموهوب الذي استطاع نقل الراي إلى العالمية، والفنان الملتزم بخدمة قضايا إنسانية تعود بالفائدة على شباب بلده». ومن المعروف عن الشاب مامي إسهامه في تمويل مشروع إعادة بناء بعض مساكن حي باب الواد، في الجزائر العاصمة، بعد فيضان 2001 ... كما انخرط في حملة توعية عالمية لمكافحة الإيدز عام 2002.
استغل مامي فترة السجن لتأليف بعض أعمال ألبومه الجديد، وسيحمله أيضاً بصمة مشرقية: «سيكون العنوان مبدئياً عنوان «مقدرة»، ويتضمن ثماني أغنيات، لا تمت بصلة إلى المرحلة السوداء التي عرفتها. أحاول الاستفادة من مختلف التجارب التي أعيشها لمقاسمة الآخرين همومهم». وسيشرع الشاب في تسجيل الأسطوانة نهاية الشهر الجاري، في استديو خاص في مدينة وهران، على أن يدرس، لاحقاً، اقتراحات التعاقد مع شركات الإنتاج، علماً بأنّه أنهى العقد مع شركة «فيرجين» الذي كان يلزمه إصدار خمسة ألبومات.
لا يؤكّد المغني اسم شركة الإنتاج التي ستتبنى العمل، لكنّه يخبرنا عن تقدم التفاوض مع «روتانا»، وعن تلقيه اقتراح أداء دويتو مع نوال الزغبي التي تعرّف إليها من خلال حفلتين قدّمهما في مدينتي بيروت وطرابلس. وعند سؤاله عن إمكان التعاون مع أحد زملائه في ميدان الراي، يمتنع عن الإجابة: «يزداد عدد مغني الراي سنة بعد أخرى. والحقيقة أننا لا نجد من بين تلك الإصدارات تجارب كثيرة تستحق الاهتمام». ويواصل: «من الضروري برأيي إعادة النظر في واقع الراي وترتيب البيت من الدّاخل». ويضيف: «المغني الوحيد الذي حلمت دوماً بالغناء معه هو الراحل أحمد وهبي (1921 ــــ 1993)». ينتهي اللقاء، وقد تيقّنّا من أن الشاب مامي لم يخرج محطّماً من تجربة السجن، بل مسكوناً بطاقة إيجابيّة واضحة. فإضافة إلى انهماكه في وضع اللمسات الأخيرة على ألبومه، ها هو يفكر في تقديم حفلتين في الجزائر العاصمة ومدينة مرسيليا الفرنسية قبلة مهاجري المغرب العربي. كأنّ تلك العزلة القسريّة التي يريد أن ينساها اليوم، لم تكن سوى مرحلة لمراجعة الذات، وإعادة شحن الهمم ... ما علينا سوى انتظار النتيجة.



5 تواريخ

1966
الولادة في مدينة
سعيدة غرب الجزائر

1982
فاز بالمرتبة الثانية
في برنامج «ألحان وشباب»
على التلفزيون الجزائري

1990
ألبوم Let me Rai
(دعني أغنّي الراي)

2003
حاز وسام
الاستحقاق الفرنسي

2011
بعد شهر
على إطلاق سراحه المشروط،
يعدّ ألبومه الجديد «مقدرة»