مهما كانت الأهداف التي أراد الرئيس السابق حسني مبارك تحقيقها من تسجيله الصوتي الذي أرسله إلى قناة «العربية» حصرياً أول من أمس الأحد، فإنّ ردّ الفعل الرسميّ والإعلاميّ والشعبيّ خيّب ظن مبارك. هذا الأخير ظنّ أنّه ما زال متمسكاً بقيادة الثورة المضادة التي يقول أصحاب «ثورة 25 يناير» إنّها لا تزال مستمرة بقوة حتى لو اختلف هدفها. في الأيام الأولى لسقوط مبارك، كانت الثورة المضادة تهدف إلى عودة النظام السابق، لكن مع الوقت، راحت تركّز على حماية من بقي من هذا النظام خارج السجن، وخصوصاً مبارك وعائلته. هدف الرئيس المخلوع من التسجيل الصوتي التركيز على براءته من تهمة استغلال النفوذ لتحقيق الإثراء غير المشروع. أما الفضائيات المصرية ـــــ بما فيها التلفزيون المصري ـــــ فقد شُغلت منذ لحظة بث هذا التسجيل بتحليل الخطاب والرد عليه. هكذا، أكد الإعلامي أحمد المسلماني على قناة «دريم 2» أنّ التلفزيون المصري استضاف شخصيات عدة لقراءة التسجيل الصوتي، وكلها من دون استثناء هاجمت مبارك.
وعلّق المسلماني قائلاً «سبحان مغيّر الأحوال»، كما أشار إلى أن صوت مبارك في التسجيل يؤكد أنه بصحة جيدة. وتساءل مثل كثيرين عن سبب اختيار مبارك قناة «العربية» السعودية بالتحديد. فيما اتفق مع الأكاديمي المصري مأمون فندي على أن مبارك قلّد بن لادن عندما سرّب التسجيل إلى «العربية»، تماماً كما كان يفعل زعيم «القاعدة» مع قناة «الجزيرة». وفي هذه النقطة، تساءل كثيرون مساء الأحد عبر الشاشات المختلفة عن سبب عدم لجوء مبارك إلى أي قناة مصرية، رغم أن كل المحطّات كانت سترحّب بالأمر كما أكد عمرو أديب في «القاهرة اليوم»، رداً على انتقادات وجّهها أستاذ الطب النفسي أحمد عكاشة إلى القناة السعودية التي تساند مبارك حتى الآن وتخاصم إرادة الشعب المصري، لكن السؤال ظل مسيطراً: لماذا لم يعط مبارك التسجيل لكل القنوات دفعةً واحدةً وهو قادر على ذلك؟ وسرعان ما أطلّ مدير الإعلام في «العربية» ناصر الصرامي على قناة «الحياة» ليؤكد أنّ المحطة السعودية تحاول منذ فترة الحصول على مقابلة مع مبارك للرد على الاتهامات التي طاولت ذمته المالية، لكنها حصلت في النهاية على التسجيل الذي لا تزيد مدته على ستّ دقائق. ونفى مشاركة القناة في دعم الثورة المضادة، لكنّ منى الشاذلي لفتت في برنامجها «العاشرة مساءً» على قناة «دريم 2» إلى أنّ مكتب «العربية» في القاهرة لم يعرف من الأساس أنّ هناك تسجيلاً صوتياً سيبث على القناة، بالتالي يُطرح سؤال: كيف وصل التسجيل إلى دبي؟ وفيما هدّد مبارك باللجوء إلى القضاء للرد على مَن ينالون من ذمته المالية، رد الكاتب الصحافي محمد علي خير عبر «القاهرة اليوم» على «أوربت» متسائلاً: لماذا نفى مبارك وجود أرصدة له في الخارج ولم يتحدث عن أرصدة الداخل، وخصوصاً حساب مكتبة الإسكندرية، حيث كشفت التحقيقات أنّ هناك حساباً يتصرف به فقط مبارك بقيمة 145 مليون دولار؟ علماً بأنّه كانت ترد له تبرعات دولية للمكتبة. فيما أكد أمين «مجموعة استرداد ثروة مصر» محمد محسوب أنّ مبارك خرج ليتكلم بعد شهرين من سقوطه وهي فترة كافية لإخفاء معالم حساباته في الخارج. وفي برنامج «مصر النهاردة» على الفضائية المصرية، اندلع خلاف في وجهات النظر بشأن محاكمة مبارك وتركّز على سؤال واحد: هل تكون المحاكمة علنية كي يطمئن الشعب، أم أنّ العلانية قد تكشف أسراراً لا يصح أن يعرفها العامة من أجل حماية الأمن القومي؟ لكن الكل اتفق على وجود رابط قوي بين كلمة مبارك عصر الأحد، وما جرى في ميدان التحرير طوال يوم الجمعة الماضي، إذ أجرت مجموعة من القضاة محاكمةً شعبية لمبارك ورموز نظامه ووضعوا صورته في قفص حديدي وطالب ممثل الادعاء بالحكم عليه بالإعدام، لكن المحكمة قررت تأجيل النطق بالحكم حتى الجمعة المقبل الذي توعّد فيه الثوار بالزحف إلى ميدان التحرير. وعلى المستوى النفسي، قال رئيس جمعية الطب النفسي المصرية أحمد عكاشة إنّ مبارك ما زال يستخدم وسائله القديمة، معتمداً على الحسّ العاطفي عند الشعب المصري. هكذا، خرجت بعض السيدات يبكين بعد خطابه كما فعلن مع الخطاب الثاني خلال الثورة، لكن سرعان ما تزول هذه الحالة عندما يجري تذكير أولئك بكل الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع على حد قول عكاشة. فيما قال الطبيب النفسي هاشم بحري لبرنامج «الحياة اليوم» على قناة «الحياة» إنّ مبارك الذي تكلم للمصريين كأنّه لا يزال رئيساً يحاول استغلال مشاعر الناس من دون حتى تقديم اعتذار إليهم.



قاطعوا «العربية»

انفرد نائب رئيس حزب «الوفد» علي السلمي بالدعوة إلى مقاطعة «العربية» رداً على دعمها الرئيس السابق مبارك من خلال بث التسجيل الصوتي مساء الأحد. وأكد أنّه بعد يومين من سقوط مبارك، نشرت القناة نفسها على موقعها الإلكتروني ما يفيد أنّه هرّب أمواله خارج البلاد. لهذا، وثق بها المصريون وكانوا يعيدون البحث عنها عند حدوث تشويش، لكنها الآن تقدّم مبارك كأنه ضحية من دون أي عرض لوجهات النظر المغايرة. وكان العديد من المحللين على الشاشات المصرية قد أشاروا إلى الدعم الهائل الذي يتلقاه مبارك من النظام السعودي، وخصوصاً في ظلّ تسريبات بأنّ السعودية ودولاً خليجية أخرى هددت المجلس العسكري بطرد العمالة المصرية في حال محاكمة مبارك أو أيّ من أولاده.