«لقد تأخّر القرار... انتظرناه منذ اندلاع الثورة في البحرين»، يبدو أن قرار إيقاف صحيفة «الوسط» عن الصدور لم يفاجئ أحداً. أقلّه هذا ما يمكن استنتاجه من التعليقات التي انتشرت على الشبكة العنكبوتية منذ يوم أول من أمس. الجريدة التي خلقت دينامية جديدة في العمل الإعلامي البحريني منذ انطلاقها في أيلول (سبتمبر) من عام 2002، تصدّرت المشهد الصحافي يوم السبت الماضي، بعدما خصص التلفزيون الرسمي أحد تقاريره «لفضح ممارساتها غير المهنية وغير الأخلاقية». وأوضح التقرير أن الصحيفة «زوّرت الحقيقة» عندما نشرت صورة لمواطن بحريني تعرّض للتعذيب على يد قوات الأمن، ليتّضح لاحقاً أن الصورة تعود لمواطن مغربي عُذِّب في بلاده، ولا علاقة للبحرين بالموضوع. وحالما انتهى عرض ما سبق، أصدرت «هيئة شؤون الإعلام» في المملكة قراراً بوقف إصدار «الوسط» وإحالتها على التحقيق. لكن سرعان ما عادت الهيئة نفسها وتراجعت عن قرارها أمس، بعد اتخاذ مجلس الإدارة قراراً بإقالة رئيس التحرير منصور الجمري وتعيين عبيدلي العبيدلي مكانه. كذلك صدر قرار بالاستغناء عن خدمات مدير التحرير وليد نويهض، والمسؤول عن القسم المحلي، على أن تجري انتخابات لاختيار مجلس إدارة جديد الشهر المقبل. إذاً، اليوم يصدر عدد جديد من «الوسط»، لكن في ظل غياب عرابها ووجهها الأبرز منصور الجمري، ما يطرح علامات استفهام عدة عن الخلفيات الحقيقية لصدور قرار إيقاف الصحيفة: هل أرادت السلطات من خلال هذه الخطوة إبعاد الجمري عن المشهد الإعلامي البحريني، وخصوصاً في ظل الأوضاع السياسية المتوترة في المملكة؟ وما هي الصيغة النهائية التي اتفق عليها مجلس إدارة الجريدة مع «هيئة شؤون الإعلام» حتى تراجعت هذه الأخيرة عن قرارها؟ وهل قدّمت الصحيفة تنازلات سياسية سمحت لها بالعودة إلى الأسواق؟ أسئلة كثيرة تبدو الإجابة عنها صعبة، ولا شكّ في أنّ الأيام والأعداد المقبلة من المطبوعة ستوضحها. لكن الأكيد أن اختيار العبيدلي لقيادة الجريدة لم يكن عبثياً؛ إذ يُعدّ الرجل حلاً وسطيّاً، بما أنّه مقرّب من المعارضة، ومقبول من السلطة.
ويرى بعضهم أن هذا الصحافي «مثالي» لقيادة الجريدة في المرحلة المقبلة، فهو حتماً سيخفّف من لهجتها التصعيدية، والهجومية تجاه النظام، محافظاً في الوقت نفسه على هامش صغير من الحرية. هامش لا يزعج النظام البحريني الذي لا يمانع وجود منبر إعلامي مستقلّ، يوحي بوجود حياة ديموقراطية في المملكة. لكن رغم تراجع النظام عن قراره، رأى كثيرون أن السرعة التي اتخذ فيها قرار تعليق صدور الجريدة لم يكن بريئاً، وهو ما كتبه قسم من العاملين في الصحيفة ومن قرائها على «فايسبوك». لقد سبق هذا القرار هجوم منظّم على المطبوعة، وخصوصاً من وسائل الإعلام الموالية للنظام. وقد اتّخذ هذا الهجوم طابعاً شخصياً، من خلال انتقاد منصور الجمري. ولم تسلم «الوسط» من الاتهامات «بتأجيج الفتنة الطائفية في البحرين» تارةً، أو «السعي إلى تعزيز النفوذ الإيراني في البلاد» طوراً.
لكن هل حقاً فبركت «الوسط» صورة المواطن المغربي؟ لا ينفي مصدر من داخل الصحيفة ذلك، بل يذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أنّ الجريدة قد تصدر اعتذاراً عن هذا الخطأ على غرار ما حصل مع «الجزيرة» بعد نشرها شريطاً للتعذيب في اليمن، تبيّن لاحقاً أنه حصل في العراق. ويشرح المصدر ما حدث بالتفصيل، قائلاً إن «معظم صحافيينا يعملون حالياً من منازلهم بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية المتوتّرة... ونتيجة هذا الواقع، تمكّن أحدهم من اختراق نظام عملنا قبل أيام، وضخّ كمية من الأخبار المغلوطة وغير الصحيحة، ومن بينها صورة هذا الشاب المغربي». ويعدّد المصدر مجموعة أخرى من الأخبار الخاطئة، كأنباء عن تكسير سيارات.... ويبدو أن كل ذلك كان كافياً كي تصدر السلطات قرارها بتعليق صدور «الوسط»، وخصوصاً في ظل إدارة البلاد حالياً وفقاً لـ«قانون حالة السلامة الوطنية»، أي ما يشبه قانون الطوارئ. مع ذلك، يقول المصدر إنه رغم الخطأ المرتكب، «كان يكفي أن ترسل لنا إنذاراً، ولم يكن هناك داعٍ لاتخاد قرارٍ بوقف الإصدار». على أي حال، ستعود الصحيفة للصدور اليوم، لكن «ما قبل منصور الجمري لن يكون كما بعده» وفق ما يقول أحد العاملين في الصحيفة. فهل حقاً ستفقد الجريدة الشابة القاعدة الجماهيرية التي بنتها في السنوات التسع الأخيرة؟ أم أن مجلس تحريرها الجديد سيتمكّن من السير بين الألغام ويتجاوز المرحلة الحالية بنجاح؟