بغداد | فكرة إقامة مهرجان سينمائيّ للأفلام الوثائقيّة يتنقل بين ثلاث محافظات عراقيّة، هي بغداد والبصرة وأربيل، تستحقّ الدعم والتشجيع خصوصاً مع الوضع المزري الذي يعيشه الفن السابع في العراق، وسط إهمال ولا مبالاة الجهات الحكومية المعنية. ويبدو أنّ «كلية السينما والتلفزيون» العراقية المستقلة تريد هذه المرّة أن تطرح بقوّة نتاجها الذي لم يسلّط عليه الإعلام المحليّ الضوء الكافي، بعد سنوات من العنف الطائفيّ والتهجير. بعدما أنشأ السينمائيان العراقيان قاسم عبد وميسون الباججي الكليّة في لندن، انتقلت إلى بغداد عام 2004، لتكون مركزاً للتدريب في مجال العمل التلفزيونيّ والسينمائيّ من خلال تقديم برامج تدريبيّة مجانيّة في ميدان السينما والتلفزيون للطلبة العراقيّين. «مهرجان الفيلم الوثائقيّ» الذي انطلق يوم السبت الماضي في بغداد، بدعم من «مؤسسة هينريش بُل» الألمانيّة، يضمّ 16 فيلماً أنتجتها الكليّة. يهدف المهرجان بحسب رئيسه قاسم عبد إلى «فتح نوافذ صغيرة لجيل الشباب المهمّش والمهمل من خلال السينما للتعبير عن أحلامه وأفكاره وقصصه». وإذا كانت مضامين الأفلام إنسانيّة تحمل الهمّ العراقيّ وترصد التناقضات الحياتيّة في المجتمع العراقيّ لكونها تغطّي مرحلة ما بعد الحرب أي منذ عام 2005 حتى يومنا هذا، فإنّ قاسم عبد ينظر إليها بوصفها «ذاكرة للحياة اليوميّة القاسية التي يعيشها الكثير من العراقيّين». هكذا، سنشاهد فيلم «فحم ورماد» الذي يتناول خطر قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم تجاريّ يضر بالبيئة العراقيّة اليوم، وفيلم «مدرسة بغداد للسينما» الذي يوثّق لحياة السينمائيّين الشباب في هذه المدرسة وما يعنيه أن تكون سينمائيّاً متنقلاً في بلد يجتاحه العنف. كذلك، سيُعرض «غني أغنيتك» عن حياة شباب موهوب في الغناء الريفيّ العراقيّ يتعرّض للتهديد من المتشدّدين الإسلاميّين. أما فيلم«ذكريات مصوّر فوتوغرافيّ»، فيحكي قصة مصوّر يوثّق الحياة العراقيّة منذ منتصف القرن الماضي. باختصار، كل الأفلام المشاركة في المهرجان تعرض جوانب مختلفة من الواقع العراقيّ المأزوم، والتحدّيات اليوميّة والمخاطر التي يواجهها أبناء بلاد الرافدين. بالتالي، سيمثّل المهرجان بمجمله وثيقة مهمّة عن العراق الذي يواجه الموت والدمار وتهديد الحريات الذي بلغ حد التصفية الجسديّة.والمفارقة أنّ منظّمي المهرجان أرادوا من وراء التظاهرة التنبيه إلى الوضع المزري الذي أصاب الفنّ السابع في العراق، فإذا بهم لا يجدون صالةً في بغداد تمتلك مواصفات قاعات العرض ولو البسيطة منها. لذا اضطروا إلى جلب شاشة عرض بمواصفات متطورة مع جهاز العرض (برجكتور) من لندن، واستأجروا أجهزة الضوء والصوت من إحدى الشركات الخاصّة. وعلى ذلك، يعلّق قاسم عبد: «لك أن تتصوّر مدينة يسكنها نحو سبعة ملايين نسمة وليس فيها صالة عرض واحدة مؤهلة وجاهزة لعرض الأفلام. هذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى الإهمال الحكوميّ المتعمد تجاه الثقافة والفنون في العراق».

«مهرجان الفيلم الوثائقيّ»: بعد اختتامه في بغداد أمس ينتقل إلى محافظة البصرة في 29 و30 نيسان (أبريل)، وأربيل في 6 و7 أيار (مايو).