الارتباك وغياب الصور هما أبرز ما ميّز التغطية الإعلامية للتظاهرات السورية أمس. بدا ذلك واضحاً حين اكتفت الفضائيات بنقل الأخبار عن وكالة «رويترز». وكانت هذه الأخيرة أول من بثّ خبر انطلاق تظاهرات في دمشق، وبانياس، واللاذقية، ودوما، بعد صلاة الجمعة. ورغم محاولات التلفزيونات العربية والغربية الوصول إلى معلومات خاصة، بدا الأمر شبه مستحيل مع التعتيم الإعلامي الذي فرضه النظام السوري.
هكذا كان «يوتيوب» الحل الأمثل لهذه المحطات، فشاهدنا شريطاً عن تظاهرات احتجاجية بدأت من قلب دمشق، وتحديداً في مسجد الرفاعي (دوّار كفرسوسة)، لمجموعة مصلّين كانوا يهتفون «بالروح بالدم نفديك يا درعا». بعد دقائق، شاهدنا شريطاً آخر من داخل المسجد أيضاً، لكنه أظهر «أنصار الرئيس بشار الأسد وعناصر الأمن الذين هاجموا المحتجين واعتدوا عليهم بالهراوات»، مرة جديدة بحسب «رويترز».
إذاً بدت الفضائيات العربية مرتبكة في تغطيتها للحدث السوري. اعتمدت على أخبار الوكالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «شبكة شام» على «فايسبوك»، وبعدها على بعض الشهود العيان والناشطين السوريين. «الجزيرة» مثلاً حاولت أداء دور «محامي الشيطان»، فاستضافت أولاً الناشط المعارض هيثم المالح الذي لم يتردّد في توجيه انتقادات لاذعة إلى النظام السوري. وهو ما دفع المذيعة غادة عويس إلى محاصرته بمجموعة أسئلة بدت كأنها تدافع عن النظام. لكن المشهد سرعان ما تغيّر بعد اتصال المحطة بعضو مجلس الشعب عن محافظة درعا خالد العبود. لم تتردد عويس في إحراجه، وخصوصاً عندما سألته عن التصفيق وقصائد المديح التي أطلقها أعضاء المجلس أمام الرئيس السوري، بدلاً من الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء. فردّ العبود بأن المجلس وقف دقيقة صمت في جلسة خاصة سبقت الخطاب! وأكمل النائب هجومه على الإعلامية، متّهماً إياها بـ«التحريض والاصطياد في الماء العكر». النائب نفسه أطلّ أيضاً على «العربية». هنا أيضاً لم يمنع نفسه من مهاجمة الإعلامية نجوى قاسم، ومن خلفها «العربية»، «التي ربما شعرت بأنها المقصودة في خطاب الرئيس بشار الأسد، فأعدتم حساباتكم، والدليل هو وجودي اليوم على شاشتكم». ورغم أن هجوم العبود على القناة السعودية بدا خارج سياق الأسئلة التي طرحتها عليه قاسم، إلا أنه كان لافتاً أن المحطة امتنعت عن تبنّي أيّ خبر غير مؤكد إزاء الأحداث في سوريا، مذكّرة دوماً بأن الصور المعروضة هي لأشخاص هواة. في هذا الوقت، طمرت الفضائيات السورية رأسها في الرمال. فمذيعة قناة «الدنيا» فضّلت أن تطل على الجمهور وهي تتغنّى بدمشق! أما وكالة «سانا»، فقد رأت أنّ الأمن كان مطلب المتظاهرين، وأن الحياة الطبيعية عادت إلى المدن، فيما ظلت الفضائية السورية بعيدة عمّا يحدث... وهو الأسلوب الذي تتعامل به مع ما يجري من أحداث ساخنة على الساحة الداخلية.