عام 2000، قاد الأديب المغربي إدريس الخوري ثلّة من الأصدقاء إلى بيت الروائي المغربي الكبير محمد زفزاف (1942 ــــ 2001). تحلّق الجميع حول سرير مرضه، وسألوه عن حاله، فجاءت إجابته: «آكل القوت وأنتظر الموت»... كان وجهه اتخذ لوناً أصفر، وغارت عيناه، لكن لحيته الدوستويفسكية بقيت كما هي. في روايته الثانية «الروائي ــــ محمد زفزاف يكتب الثعلب الذي يظهر ويختفي» (الدار العربية للعلوم ناشرون ــــ بيروت/ دار أزمنة ــــ عمان)، يستعيد الناقد والروائي المغربي صدوق نور الدين، مرحلةً مفصلية من سيرة زفزاف. نجده يتخيله وهو يكتب رائعته «الثعلب الذي يظهر ويختفي» كأننا في صدد طبعة جديدة من رواية زفزاف. قسّم صدوق نور الدين النص إلى ثلاثة فضاءات، فعنون الفصل الأول بـ«الدار البيضاء»، وفيه يستعيد علاقته بالأديب الراحل، فيما احتلّ فضاء الصويرة الفصل الثاني، وفي هذه المدينة تدور أحداث «الثعلب الذي يظهر ويختفي»، بينما نعود في الفصل الثالث إلى الدار البيضاء.

أفضل ما يقال عن الرواية أنّها تستعيد محمد زفزاف، وتعيده إلى الواجهة عبر هذا التماهي مع أعماله بطريقة سردية متقنة. وفي تقديمه للرواية، يكتب الروائي والقاص الأردني إلياس فركوح: «إذا كانت «الروائي» نصاً محمولاً على نية الكتابة المبيّتة من أجل إعادة خلق وإنتاج ما هو معروف وعام؛ فإنها، في الوقت نفسه، إعادة تخليق الكاتب لنفسه وتبيان لرؤيته. (...) باختصار: هذه كتابة خاصة تحتاج قراءات خاصة». وبالفعل، يعمل صدوق نور الدين على تداخل الواقعي بالمتخيل في محاولة لكتابة تنفتح على التخييل الذاتي من دون أن تكون سيرة. هنا محمد زفزاف يستيقظ من النوم، يخطو نحو الشارع «سيقصد المقهى الواقع بين لابريس، والماجستيك (حانته المفضلة). هناك، سيتناول فطوره بهدوء: شاي أسود بالحليب وهلالية. سيحرق لفافته الأولى ثم يبدأ التفكير في ما ينوي الإقدام على إنجازه...».
الرواية التي تقوم على لعبة تناص Intertextuality مع العمل الأصلي لزفزاف، نجحت في تفادي مطبين رئيسيين. الأوّل التماهي التام مع حياة الشخص المكتوب عنه، رغم القليل من التسطيح الذي شاب الشخصية الروائية. والثاني هو عدم تغييبه إلى درجة المحو، بحيث ظل صوت محمد زفزاف مثل «ثعلبه»... يختفي ثم يعود للظهور في اللحظة المناسبة.