بغداد | منذ غزو العراق عام 2003، بات الاعتداء على الإعلاميين جزءاً من يومياتهم، فلم تتردّد الأجهزة في التضييق عليهم بالضرب حيناً، والاعتقال والقتل أحياناً أخرى. إلا أن تعرّض «قوات مكافحة الشغب» للصحافية والناشطة نبراس المعموري في ساحة التحرير في بغداد، مثّل سابقة من نوعها. الإعلامية العراقية التي شاركت في تظاهرة «جمعة الحقّ»، وجدت نفسها فجأة ضحية عنف رجال الأمن الذين انهالوا عليها بالهراوات، محاولين إبعادها عن التحرك الاحتجاجي وإخافة باقي المتظاهرين. لا تتردّد المعموري في القول إنّ مشاركتها في تظاهرات مطلبية «جزء من تأدية الواجب الوطني». وتشن هجوماً على أجهزة الأمن «ومن يقف خلفها من أجهزة حكوميّة؛ إذ أيقنت أن المواطن العراقي لا يأبه لتهديداتهم وأسلحتهم، بل سيستمرّ في المطالبة بحقوقه». وتضيف أن الأمن يقلق عندما يرى نساء في مقدمة المحتجين «وخصوصاً إذا كنّ إعلاميات، وناشطات، لأنهم يدركون أن التحرّك سيأخذ إطاراً أوسع». ولعلّ الاعتداء الذي تعرّضت له الإعلامية العراقية، أعطى دفعاً جديداً للنساء في بلاد الرافدَين، وهو ما تؤكده المعموري بقولها إن صحافيات وناشطات اتصلن بها، وأخبرنها أن التعدي عليها زادهن إصراراً على المشاركة في التظاهرات المقبلة. لكن يبدو أن الهجوم على الصحافية، فتح الباب واسعاً أمام نقاش غائب ـــــ حاضر في العراق، هو غياب أي مؤسّسة حقيقية تدافع بمهنية عن حقوق الإعلاميين، «لم تصدر نقابة الصحافيين، ولا مرصد الحريات أي بيان لاستنكار ما تعرضت له... لقد اكتشفتُ أنّ الذكورية طغت حتّى على الجوانب الوطنيّة وبعض المؤسّسات التي ترى في المرأة خصماً، لا شريكاً».طبعاً، لا يعجب هذا الكلام المدير التنفيذي لـ«مرصد الحريّات الصحافيّة» زياد العجيلي الذي ينفي هذه الاتهامات، «والحقيقة أنه منذ اندلاع التظاهرات في العراق، وقع أكثر من 193 انتهاكاً بحق الصحافيين من اعتقال وضرب ومهاجمة مؤسّسات صحافية وحرق بعضها، وهو ما طغى على حادثة المعموري». لكن العجيلي يعود ليؤكد أنّ المرصد بعث برسالة إلى وزارة الداخلية، مديناً ما تعرضت له هذه الإعلامية.
وإن كانت المؤسسات التي تعنى بشؤون الصحافيين العراقيين قد تجاهلت هذا الاعتداء، فإن بعض المثقفين وجدوا فيه مشكلة خطيرة، كما هي حال المخرج عدي رشيد. يقول هذا الأخير إن «هناك مشكلة في نظامنا الاخلاقيّ ـــــ الأمنيّ، فإن أي رجل يرتدي الزي الحكوميّ الآن في الشارع يظنّ أنه يملك تصريحاً رسميّاً للاعتداء على المواطن». أما الكاتب والصحافي جلال حسن، فيرى ببساطة أن «الحكومة تخشى الصحافيين، والدليل هو العداوة التي بنتها مع جميع الإعلاميين...».