دمشق | بيروت أيضاً مدينته، هو اللبنانيّ لجهة أمّه... فيها عاش وعمل وخاض معارك فكريّة وإبداعيّة. ليس مستغرباً إذاً أن تحتفي العاصمة اللبنانية بذكرى السينمائي الإشكالي عمر أميرلاي (1944 ــــ 2011). وإلى جانب انشغاله الدائم بالشأن السوري، خصّص أميرلاي أكثر من شريط للمسألة اللبنانية، قد يكون أكثرها إثارة للجدل شريطه «مصائب قوم» (1981)، حيث رصد التناقضات الإنسانية المختلفة التي عاشتها بيروت أثناء الحرب الأهلية، ثم طبعاً «الرجل ذو النعل الذهبي» (1999) الذي استسلم فيه لـ«غواية» الرئيس الراحل رفيق الحريري.لكنّ إصرار أصدقاء الراحل وزملائه على تكريم أميرلاي في بيروت لا في دمشق، يكتنف رسالة مبطنة واضحة، فيها الكثير من الاحتجاج والحزن. السينمائي الذي خلّف وراءه أكثر من 20 فيلماً تسجيلياً، بقي طوال حياته ممنوعاً من العرض في بلاده، نظراً إلى مواقفه السياسية، وبقيت أعماله محصورة في نطاق ضيّق، بين العروض الخاصة والمراكز الثقافية الأجنبية.
حتى الآن، اقتصر التأبين السوري لأميرلاي على حلقة تلفزيونيّة، رثاه فيها أحمد الأحمد، المدير العام السابق لـ«الموسسة العامة للسينما»، على طريقته. وقال الأحمد في مرثيّته تلك، إنّ «أميرلاي كان سياسياً أكثر منه مخرجاً»، مضيفاً «إنّ أفلامه بلا جمهور، ولم تصل يوماً إلى العالمية، وتأطّرت ضمن مواضيع ضيّقة للـغاية، كشفت نزقه، وانطلاقه في تحقيق أفلامه من مواقف مسبقة وذاتية». ورغم إقصاء الأحمد أخيراً عن منصبه، ما زالت تبعات تصريحاته تلك حاضرة على صفحات «فايسبوك»، بعدما دعت نخبة من السينمائيين الشباب إلى إعادة هيكلة «مؤسسة السينما». وفي بيان نُشر على موقع التواصل الاجتماعي، رأى أكثر من 500 موقع من صحافيين وسينمائيين ومثقفين أنّ «الصرح الإنتاجي السينمائي الأكبر في سوريا، موضوع بين أيد لا تعرف إمكانات هذا البلد الزاخر بالمواهب السينمائية».
الأمسية التكريمية البيروتية الخاصة إذاً، دعوة وجّهها أصدقاء أميرلاي إلى الاحتفاء «بسينمائي مستقلّ وملتزم بمعركة الدفاع عن الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحريّة التعبير». هكذا، سيعرض فيلم قصير أُعدّ خصيصاً للمناسبة، يتضمّن مشاهد من مجمل الأفلام التي أنجزها أميرلاي طوال أربعة عقود، تتخلّله أيضاً بعض الشهادات والمقابلات. يلي اللقاء الخاص مع أصدقاء الراحل، عرض فيلم «طوفان في بلاد البعث» (2003)، آخر أعمال الراحل، ويعدّ خطاً فاصلاً في تجربة أميرلاي السينمائية، وأحد الأسباب المباشرة لمنع عرض أفلامه من الرقابة السورية. في شريطه هذا، قدّم أميرلاي جملة من الانتقادات للسلطة السورية، في مراجعة نقديّة لما قدّمه سابقاً في «محاولة عن سد الفرات». سيعرض أيضاً شريط «هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء» الذي يتناول المرحلة الأخيرة من حياة المعلّم سعد الله ونوس (1941 ــــ 1997) وصراعه مع السرطان. شريط هو شهادة على مرحلة تمثّل سيرة جيل كامل في تاريخ الثقافة العربيّة.