صنعاء | يتميّز نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بمهارة عالية في... إيذاء الصحافيين: لا يوفّر وسيلة لترهيبهم، وهدفه واحد: منع نقل حقيقة ما يجري في المناطق اليمنية. هكذا أصبح خروج الصحافي إلى عمله اليومي في اليمن أشبه بمهمة توغّل في أرض عدوّة،

حيث إنّه لا يعرف من أي جهة تأتيه الضربات. يقف رجال الحزب الحاكم على مقربة من ساحات الاحتجاج، مستعدين لأداء المطلوب منهم ضد صحافيين محددين. مما يشير إلى أن عمليات الاعتداء تجري وفق تخطيط معد مسبّقاً. مثلاً تعرّض الصحافي محيي الدين جرمة لاعتداء ثانٍ في أيام. وكان الإعلامي اليمني قد هوجم بقوة في «ساحة الحرية» أمام «جامعة صنعاء» قبل أسابيع، فنُقل بعربة الإسعاف إلى المستشفى، لكن المفاجأة غير السارة كانت ما حصل داخل الإسعاف: ثلاثة بلطجية كانوا في الداخل، فانهالوا عليه ضرباً، ولم يتوقفوا إلا بعدما شارف على الموت. ويبدو أن مرتزقة النظام يتقيدون بأوامر واضحة، وهي تفادي قتل أي إعلامي، والاكتفاء بإيذائه جسدياً. أما موقف وزير الصحة عبد الكريم يحيى من احتلال البلطجية لسيارات الإسعاف، فكان ببساطة: «هذه الآليات غير تابعة لوزارتي».
من جهته، تعرّض مراسل قناة «الحرة» في صنعاء عبد الكريم الشيباني لضرب مبرّح من جانب رجال النظام في منطقة مجاورة لساحة الاعتصام.
وكانت لـ «الجزيرة» حصّة كبيرة من هذه الاعتداءات، إذ رحّلت السلطة ليل الجمعة مراسلَي القناة القطرية أحمد زيدان وعبد الحق صداح خارج اليمن. فيما تعرض مراسل «الجزيرة» في صنعاء أحمد الشلفي لسلسلة اعتداءات لفظية ومكالمات هاتفية تهدده وأسرته. من جهتها، انضمّت نقابة الصحافيين اليمنيين إلى الثوار أول من أمس. وكانت قد أصدرت في وقت سابق بياناً حمّلت فيه «رئيس الجمهورية شخصياً وقادة الأجهزة الأمنية التابعة له مسؤولية أمن الصحافيين وسلامتهم». وهذا بالطبع أبعد ما تستطيع النقابة فعله، وخصوصاً عندما نعلم أنّها تحتاج إلى بيانات تضامن معها، بعدما تعرّض مقرها لهجومين متتاليين من جانب «البلطجية». الهجوم الأول كان عن طريق ثلاثة مرتزقة هبطوا على مقرها في صنعاء من سيارات تحمل رقماً تابعاً للشرطة، ووضعوا على أكتافهم العلم الليبي الأخضر. وحالما دخلوا، انطلقت من أفواههم عبارات التهديد والتخوين و«العمالة والارتزاق على حساب الوطن من أجل حفنة دولارات». أما الهجوم الثاني، فكان قبل ثلاثة أيام من خلال عشرين رجلاً تعاملوا مع المقرّ كساحة مباحة للنهب، معلنين نيتهم إحراقه «جزاءً لما يقترفه المنتسبون إلى النقابة».
ما سبق مجرّد عيّنة صغيرة لما يعانيه الصحافيون في «اليمن السعيد» منذ انطلاق «ثورة الشباب»، لكن اللائحة تطول وفق ما جاء في تقرير لمركز «التأهيل وحماية الحريات الصحافية» في صنعاء. وقد أكد المركز أن أكثر من 120 اعتداءً تعرّض لها الصحافيون، بعدما أصبح عملهم «مهمة محفوفة بالمخاطر والشتائم والترهيب، والتحريض، وتهم العمالة، والتخريب، واستهداف الثوابت، فضلاً عن الاختطافات والتعذيب».