خدش التقاتل الديني صورة البهاء الرومانسي الذي ميّز ثورة مصر. ثورة بدت أنّها تؤسّس لزمن جديد من الثورات. إنّه زمن الثورة التي تعبّر عن غضبها بالفرح. ثورة طهّرَت شعبها وطهَّرَتنا من الخوف عبر نوع من السعادة والأمان. عبر مشاعر جعلتنا نطفو على بساط من الأحلام، بل فتحت أبواباً للأمل تجاوزت كل أحلامنا، حتى صارت مصر، مصرنا، محطّ أنظار العالم. حتى صارت مصر، مصرنا، الشريان الذي يغذّي آمالنا بالمستقبل.
ولأن مصر هي مصرنا التي نحبّ، ونعوّل عليها كثيراً، فقد استعدنا معها الإحساس بأنّنا نستطيع أن ننفض عنّا خوف كل تلك السنين وصمتها وقهرها.
هكذا مثّلت انتصارات ثورة مصر، بعد مفاجأة تونس، قوة فتحت أبواب التغيير في العالم العربي كلّه. العالم العربي كله تحرَّك. ومهما كان الظلام حالكاً، فإنّ بعض الضوء يلوح في كل مكان. وراحت الضحكات تنطلق ممزوجة بآمال الحرية والنور.
نعم لقد خدش، بل جَرَح ما حصل في منشأة ناصر تلك الصورة. ومن الواضح أنّ المنفذ الذي نفذ منه أعداء هذه الثورة هو الصراع الديني. نعم، إن التقاتل الإثني بكل أشكاله، يوازي في خطورته خطورة كل تاريخ الاستبداد الذي ميَّز حكامنا. بل إنّ هذا الاستبداد استمدّ قوّته من هذه الانقسامات. هذا كان شأن صدام حسين ونظامه الكابوسي. وهذا كان شأن حسني مبارك وأدواته البشعة التي كان نموذجها وزير الداخلية الذي فجَّر كنيسة الاسكندرية واتّهم بالتفجير «مجموعة متطرفة إسلامية» هي من صنع يديه. وهذا هو شأن القذافي الذي يحار المرء بأي وصف يصفه، إذ يرى في ليبيا مجموعة قبائل ستتناحر إذا تركها لحالها في حرب أهلية «تهدّد العالم... وإسرائيل».
أنَّى نظرنا في العالم العربي الذي تأثر بالمدّ التغييري الذي مثلته ثورتا تونس ومصر، نرى توقاً الى الحرية والنور، واستعداداً لبذل الكثير للتخلص من الاستبداد والظلام. لكن... نرى في المقابل أولئك الذين يكرهون الحرية والنور بما هما رمزان للحياة ويرفعون لواء التقاتل والحروب في صراعات دينية، وقبائلية... ليس فيها إلا الدمار والموت. نعم إن الحروب الطائفية لا تنتج، أبداً، إلا الدمار والموت. لا تفعل، أبداً، سوى إهدار كل طاقات الحياة في صراعات عبثية تمعن في تعميق الجروح والانقسامات لا لشيء سوى إثبات هوية فارغة المضمون، منتفخة بأوهام القوة، وبالعنف المجنون. ونحن في لبنان خبرنا كل ذلك الجنون، والتفنّن، بتلويناته المؤلمة، وما زلنا تحت حزام الخوف والرعب الدائمين. وحقاً إنّه لخوف مقيت.
■ ■ ■
لقد شاركت مثل أغلب أبناء جيلي في حلم الثورة من أجل الفقراء، من أجل توزيع عادل للثروة، من أجل الكادحين، ومن أجل الحلم الدائم والمستمر: تحرير فلسطين. ووصلت ثورتنا الى الحرب الأهلية التي دمرت كل الثروات وجعلت الفقراء والكادحين وقودها... وأغرقت فلسطين في وحل ذلك الصراع الطائفي، الذي جعل شعب الثورة وجماهيرها ـــــ ولا سيما في الجنوب اللبناني ـــــ يهلّل بجزء كبير منهم آنذاك لانتهاء تلك الحقبة، فرحين بالتخلص من عبء سلطتها المباشرة وغير المباشرة على حياتهم والمصير.
وأُضيف الى حلم تحرير فلسطين حلم تحرير الجنوب... هذا الحلم الذي جعلنا مرة أخرى نحلم ونأمل. وهو حلم ـــــ رغم تحققه ـــــ بقي مشروخاً، إذ بدل أن يكون فاتحة لتوحّد اللبنانيين حول مقاومة اسرائيل، وتوحّد العرب حول فلسطين، تحول الى خوف من الذين حرروا. هكذا، وبسبب الانقسامات الطائفية، صارت القوة في مواجهة اسرائيل قوة لطائفة، وليست لكل أولئك الحالمين بتحرير فلسطين. وهكذا أيضاً، ومرة أخرى، يتسبب الانقسام الطائفي أو الديني أو المذهبي في تصوير أكبر انتصار حقّقه العرب على اسرائيل، على أنه انتصار لفئة على فئة.
وفي كل مرة، بسبب الانقسامات الإثنية والدينية، وبسبب خوف الحكام من شعوبهم، يتحول الانتصار الى هزيمة، والهزائم الى انتصارات.
■ ■ ■
الآن نحن نشهد في لبنان، ولأول مرة، نعم لأول مرة، حركة شباب، حركة شعبية جامعة تنعش الروح وتحيي الآمال الغابرة بوطن حقيقي. ترفع في رأس شعاراتها «إسقاط النظام الطائفي»، ترفع الشعار الذي من دونه لا يمكننا تجاوز الخوف الطائفي، والانقسام الطائفي، والتعصّب الأعمى الذي لا يمكن أن يكون على حق مهما كانت شعاراته برّاقة.
حركة يحرّكها المد الثوري الذي يعمّ العالم العربي متأثراً بثورتين ناجحتين بمقاييس رائعة. حركة ترفع شعار إسقاط النظام الطائفي شعاراً يتقدم على ما عداه، لأنّ هذا «الكل ما عداه» الذي تقدّم على شعار إسقاط النظام الطائفي، جعل التيارات والأحزاب غير الطائفية، لما قبل الحرب الأهلية، تصطف وراء القوى الطائفيّة، بل أضعف المقاومة الوطنيّة الرائعة التي انطلقت لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. كذلك حوّل لاحقاً انتصار تموز 2006 البطولي الى سبب إضافي لمزيد من الانقسام والتعصّب. وأظهر أنّه مهما تكن قوّة أي حزب، فالبنية الطائفيّة التي قد تكون مصدر قوّته هي في النهاية السّوسة التي تضعف تلك القوّة.
نعم إنّها حركة شباب، حركة شعبية، ولأول مرة غير طائفية، وليس مثلها أولئك الذين يحاولون مصادرة هذه الحركة بالقول إنهم أوّل دعاة إلغاء الطائفية. ذلك أنّ غالبية التيارات الموجودة في السلطة اليوم، تنفي عن نفسها صفة الطائفية فيما هي تمثل وتتمثَّل على أساس طائفي. والمطلوب منها، إن كانت ضد النظام الطائفي فعلاً ـــــ أن تشارك في هذه الثورة بالأفعال وليس بالأقوال... فلو تخلّى كل الذين يقولون إنّهم من دعاة إلغاء الطائفية عن هذا النظام، لسقط النظام الطائفي، ولقدّم لبنان، ربما، نموذجاً آخر غير مسبوق كالذي قدمته الثورة المصرية.. حيث ينهار النظام بقوة الحلم بقيام مجتمع يخلع عنه رداء الخوف، خوف المسيحي والسني والشيعي والدرزي، والخوف من التقاتل الطائفي، والخوف من الحرب الأهلية.
كل من شارك في تظاهرة الأحد 28 شباط (فبراير)، يعرف أنّ إصرار أولئك الذين أصرّوا على التظاهر في ذلك اليوم العاصف وحماسته، هما إصرار وحماسة آيلان الى تصاعد أو أقله الى الاستمرار في الاندفاع المفرح نحو هذا الحلم.
وكل من شارك في تظاهرة 6 آذار (مارس)، يعرف أنّ الطريق إلى إسقاط النظام الطائفي صار مفتوحاً، لأنّ الفرح الذي كان يعم المتظاهرين بتحركهم ينبئ بأن أولئك الذين شاركوا فيها سيثابرون على المشاركة.
اليوم، بسبب ما يحصل في ليبيا والعراق، وبسبب جرح الثورة المصرية الذي حصل في منشأة ناصر، وبسبب تلك الذكرى المشؤومة للحرب الطائفية اللبنانية، وبسبب ذلك الخوف المقيم في النفوس، ومن أجل لبنان وطناً حقيقياً وليس كانتونات لطوائف، ومن أجل لبنان نموذجاً حقيقياً للعيش المشترك، ومن أجل لبنان يؤسس لإنهاء ذلك الرعب المقيم في دواخلنا من حرب جديدة، تستولد حروباً مراراً وتكراراً... تلك الحروب التي باتت تهدّد أرجاء العالم العربي كافة، على كل من يقف ضد النظام الطائفي النزول الى الشارع والمشاركة في التظاهرات. عليه نزع كل أفكار التشكيك في من يقف خلف هذا التحرك، لأنّ السبيل الوحيد لمعرفة ذلك هو المشاركة، ولأن السبيل الوحيد لعدم حرف هذا التحرك عن هدفه الأساسي ـــــ إسقاط النظام الطائفي ـــــ هو أن يصبح أولئك الذين يريدون فعلاً إسقاط هذا النظام هم القوة الحقيقية في هذا التحرك.
* ناشر لبناني



فائزان بـ«بوكر»

تقاسم محمد الأشعري ورجاء عالم (الصورة) «بوكر العربية» التي أُعلنت أمس في افتتاح «معرض أبو ظبي للكتاب». في «القوس والفراشة» يقدّم وزير الثقافة المغربي الأسبق مرثيةً لليسار العربي، فيما تسافر «طوق الحمام» عبر التحوّلات العمرانية لمكّة مدينة الكاتبة. الروايتان عن «المركز الثقافي العربي» الذي يديره حسن ياغي. وقد ترأس لجنة تحكيم الدورة الرابعة لـ «بوكر» الأديب العراقي فاضل العزاوي.