القدس المحتلة| لا يبدو واضحاً إن كان «ماراتون الكلمات» Le Marathon des Mots، سيبقى على نيّته «الاحتفاء برام الله وتل أبيب». حتّى الآن اعتذر عدد من المدعوين الفلسطينيين عن عدم المشاركة في أنشطة المهرجان الفرنسي، احتجاجاً على نشاط «تل أبيب/ رام الله» الذي يقام على هامش دورته بين 23 و26 حزيران (يونيو) المقبل في مدينة تولوز. في رسالة الدعوة التي تلقّاها الكتّاب الفلسطينيون، لم ترد أي إشارة إلى فعالية «تل أبيب/ رام الله». لكنّ هؤلاء فوجئوا بوجودها على الموقع الإلكتروني للمهرجان، في إطار توصيفات مبهمة اختصرها المنظّمون بـ«العنف الديني»!
اعتذار الكتّاب الفلسطينيين جاء عفوياً، قبل أي موقف علني من مجموعات المقاطعة الثقافية لإسرائيل ومقاومة التطبيع. فقد وجدت مجموعة من الكتاب الشباب أن «مبادرة» المهرجان الفرنسي تأتي في سياق يتجاهل واقع الاحتلال، ويحرف الأدب عن طبيعته الرافضة للظلم. وتوضح الروائية عدنية شبلي أنّ «تقليص مسألة المعاناة من الاستعمار على مدى عقود ـــــ ليست فقط العقود الستة من عمر الاحتلال الإسرائيلي، بل الاستعمار البريطاني قبله ـــــ إلى مسألة هويات دينية مسألة مشبوهة أساساً، وأمر مرفوض في كلّ الأحوال».
وتضيف صاحبة «المساس» إنّ «برامج مماثلة لا تساوي فقط بين الجلاد والضحية، بل بين ثقافة الجلّاد وثقافة الضحية. فإن كانت الحركة الصهيونية مبنيّة على توظيف الدين في مشروع استعماري، فالوجود الفلسطيني ليس مبنياً على هوية مشابهة. التلاعب بالمفاهيم بحسب شبلي لا يأتي فقط من منطلق الجمع العشوائي والاختزالي بين «إسرائيليين وفلسطينيين»، بل أيضاً في «المساواة بين ثقافتينا». وبناءً عليه، تعلن موقفها من الدعوة إلى تولوز: «لست مستعدة للجلوس مع العنصريين وإعطاء شرعية لعنصريتهم. أخلاقياً لا أستطيع قبول هذه المسؤولية وتحمّلها».
أما الكاتب الشاب أكرم مسلّم، فيدرك ضرورة حضور الفلسطينيين فوق المنابر الغربيّة، «كي لا يستأثر بها دعاة الصهيونيّة». لكنه يستدرك: «حان الوقت أن نعوّد الأوروبيين دعوتنا بصفتنا مبدعين فلسطينيين، لا أعداء لإسرائيل». ويؤكد صاحب «سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً» التي صدرت أخيراً بالفرنسية عن دار «أكت سود»، أنّه «مستعد للمشاركة في مهرجان ضخم يدعو إسرائيليين، شرط أن تكون النشاطات منفصلة، والأهم ألّا تكون تحت عنوان واحد من نوع «إسرائيل/ فلسطين»، أو «كلمات للسلام» وما شابه ذلك من الفخاخ التي تنصب لنا، فتطمس القضايا خلف تعميمات ساذجة وخطيرة».
اللافت أنّ «ماراتون الكلمات» يستعمل ذكرى محمود درويش في فعالية «تل أبيب/ رام الله»، ويضع صورة الشاعر الفلسطيني الراحل على صفحته الإلكترونية. كما يذكر مدير المهرجان أوليفيه دارفور في رسائل الدعوة الموجّهة إلى الكتّاب، اسم مترجم محمود درويش إلى الفرنسية، أي المؤرخ إلياس صنبر (ممثل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في الأونيسكو)، واسم ناشر الشاعر الراحل في «آكت سود»، الكاتب والمثقّف السوري فاروق مردم بك. ويأتي ذكرهما في سياق أنّهما سيحضران «للترحيب بكم»!
من المستغرب أن يغيب عن صنبر ومردم بك تنبيه المهرجان الفرنسي إلى الخطأ الأخلاقي، في الجمع التلفيقي بين تل أبيب ورام الله، وهذا الاستخفاف بالكتّاب الفلسطينيين الذين فات المنظّمين أنّهم ضحايا الاحتلال الإسرائيلي، وليسوا جيرانه.وتجدر الإشارة إلى أنّ معظم من وُجّهت إليهم الدعوة هم من الكتّاب الذين ترجمت أعمالهم عبر دار «آكت سود» التي يشرف فيها مردم بك على سلسلة «سندباد»، المتخصصة في نقل النصوص العربيّة إلى لغة موليير. هل استعمال مدير المهرجان لاسم المثقف السوري، إلى جانب اسم الياس صنبر، يعني أنّهما موافقان ضمنيّاً على الفعالية الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية في المهرجان؟ أم وجدا نفسيهما في الفخ، مثل الآخرين؟ ما أثار استياءً مضاعفاً، كان المواربة ـــــ كي لا نقول التضليل ـــــ في الدعوة. من جهة، يغفل مدير المهرجان الإشارة إلى فعالية «تل أبيب/ رام الله»، المذكورة فقط على الموقع الإلكتروني بالفرنسية. ومن جهة ثانية، يذكر مدير المهرجان أن «النقاشات بين الكتاب الإسرائيليين والفلسطينيين ستحدث فقط إذا كانت هناك رغبة من الطرفين». ويقول في الدعوة: «بإمكانك أن تكون حراً بعدم لقائهم. كذلك نريدك أن تشعر بحرية عدم المشاركة في أي نقاش سياسي. فهي في النهاية فعالية أدبية»! يا سلام على الأدب الصرف الذي يمكن عزله عن أيّة خلفيّة سياسيّة ـــــ هكذا بكلّ براءة ـــــ تحت جزمة الاحتلال...
المهرجان يتعثّر في عام الثورات العربية بامتياز. عوضاً عن مواكبة رياح التغيير التي هبّت على ديار العرب، يتفيّأ «ماراتون الكلمات» بالظلال الاستعمارية لتل أبيب، ويقصر «تقدميّته» على إعطاء حيّز (مشكور) لوصيفتها رام الله! يتعثّر بهوس الدبلوماسيّة الفرنسية، من خلال الثقافة، في الجمع بأي طريقة بين الجلّاد والضحية، على سرير الأدب وسط تجاهل كامل للمسألة الاستعمارية وقيَم الحرية المفترضة.
مسحة «استشراقيّة»
يتضمّن برنامج مهرجان «ماراتون الكلمات» عروضاً للفنون الأدائية وعروض شارع، إضافةً إلى اللقاءات الأدبية المتنوّعة. المهرجان الفرنسي الذي انطلق عام 2005، اكتفى في دوراته الماضية بفئة المكرّسين، مع مسحة استشراقيّة واضحة على خيارات البرنامج. واستضاف في الماضي أسماء عربية مثل الراحل محمود درويش، والروائية الجزائرية آسيا جبار، والروائي المصري جمال الغيطاني، والروائي الجزائري رشيد بوجدرة، والروائي المصري علاء الأسواني. كذلك احتفل عام 2009 بالثقافة المصرية من خلال مدينتي القاهرة والاسكندرية، وأدب نجيب محفوظ وألبير قصيري، وسينما يوسف شاهين. أمّا في عام 2007، فقد كانت لندن المدينة الضيفة. تجدر الإشارة إلى أنّ موقع «ماراتون الكلمات» الذي يحتوي على البرنامج الكامل، مقفل الآن لأسباب غير معروفة.
www.lemarathondesmots.com
3 تعليق
التعليقات
-
المشاركة مع اسرائيليين في المهرجانات الاوروبيةالشرط الاوروبي على المقفين الفلسطينيين بأن دعوتهم الى المهرجانات الاوروبية مرهونة بمشاركة ثقافية اوروبية يجب أن يتوقف نهائيا.موقف الشاعر عزالدين المناصرة هو الصحيح: رفض هذا الشاعر دعوة الأمير كلاوس له الى لقاء حول ثقافة السلام في القصر الملكي في روتردام بسبب وجود الشاعرة الاسرائيلية نوريت زارخي.وكانت الدعوة موجهة الى خمسة شعراء عالميين . حيث كان فخا منصوبا للشاعر الفلسطيني على وجه التحديد.الصحف الهولندية استغربت أن يرفض شاعر هذه الدعوةعام 2003. وفي العام التالي منح الامير كلاوس جائزة ثقافة السلام لمحمود درويش وقبلها . لقد أعاد نجوان درويش طرح المشكلة من جديد فله الشكر.
-
المشاركة الفلسطينية مع مثقفين اسرائيليين في مهرجانات نسيت في تغليقي السابق أن أذكر اسم الشاعر الفلسطيني صاحب المواقف الشجاعة..إنه عزالدين المناصرة.
-
يجب أن تتوقف هذه المهزلةمقال واضح وجميل. لكنه متأخر.ليست هذه المرة الاولى التي يفعلها الاوروبيون بالمثقفين الفلسطينيين:أي إذا أردت أن تشارك كفلسطيني فعليك أن توافق على المشارك مع مثقفين اسرائيليين أي أنهم يدسون لك السم الاسرائيلي في عسل الدعوة.كما في مهرجان لوديف وتولوز وروتردام وغيرها.وكان المشاركون العرب يقولون بأن محمود درويش وأدونيس شاركا في هذه المهرجانات وهو عذر أقبح من ذنب.وحده ذلك الشاعر الفلسطيني الكبير اعتذر عن عدم المشاركة في مهرجان لوديف. لنفس السبب.وقال لأصحاب الدعوة :أقبل أن تدعوني فرنسا كفلسطيني لا كشريك لاسرائيليين. ونحن شهود على موقفه الرائع عام 2003 في مهرجان الشعر العالمي في روتردام حين نصبوا له فخا كبيرا.يومها قال لمديرة المهرجان:سيدتي أنا لا أقبل أن أجلس مع مندوبة الاحتلال الاسرائيلي خلف طاولة واحدة .وهل كنت يا سيدتي تقبلين أن تجلسي مع ممثلي هتلر على طاولة واحدة عندما احتل الألمان بلادكم.فأجابته:طبعا لا...الى اخر الحادثة التي نقلتها الصحف الهولاندية في صفحاتها الاولى.باختصار علينا نحن أن نغير التفكير الاوروبي حول هذه الأساليب الملتوية بدلامن الرضوخ لمبدأ التشارك مع الجلاد.