الرباط | في الأسابيع الأخيرة، عادت موسيقى الاحتجاج والأغنية الثائرة إلى المغرب. الحركات الاحتجاجيّة التي أثمرت «حركة 20 فبراير»، جعلت العديد من شباب الـ«فايسبوك» يتناقلون روابط الموسيقى البديلة التي تنتقد الواقع السياسي والاقتصادي المغربي. «خمسون في المئة من المغاربة يحبّون الملك، وأربعون في المئة ينافقونه وعشرة في المئة لا يعترفون به». هذه ليست أرقاماً إحصائية خرجت بها دراسة لأحد المعاهد المختصة في الإحصاء، بل كلمات ترد في أغنية راب مغربية بعنوان «حركة 20 فبراير» أطلقت أخيراً، ورفعت سقف انتقاد الوضع السياسي والاجتماعي المغربي.
«الحاقد»، وهو مغني راب مجهول يبلغ 23 عاماً، أطلق الأغنية على «يوتيوب» بعد أيام على «مسيرات 20 فبراير» المطالبة بملكية دستورية في المملكة. وقد شاهدها عشرات الآلاف حتى الآن. يفتتح «الحاقد» أغنيته بانتقاد القمع البوليسي، والتعليم، والاستيلاء على ثروات المغرب، وفساد القضاء، ويدعم مطالب الشباب و«ولاد الشعب المقهورين».
لكنّ أغنية الراب المغربية لم تأت من فراغ، لأنّ «ثوار» الموسيقى البديلة يحملون الشعارات المطالبة بالتغيير، وينتقدون الأوضاع الاجتماعية والسياسية منذ أكثر من عقد. في «بولفار الموسيقيين الشباب» في الدار البيضاء ـــــ أحد أشهر المهرجانات الموسيقية المغربية ـــــ تكوّنت طوال عقد نواة موسيقى الشباب «الثائر» على الوضع المغربي بأشكال موسيقية أخرى هي الروك والفيوجن. في هذا المهرجان أيضاً، اكتُشفت أكثر المجموعات شعبيةً
حالياً كـ«هوبا هوبا سبيريت» (فرقة مغربية تمزج بين الروك والريغي وموسيقى الكناوى) ومجموعة «ضركة»، و«هوسة». أضف إلى ذلك مغنين منهم «الشحت مان»، و«باري» و«مسلم». هؤلاء الشباب الذين نشأوا في ظل تحولات المغرب من ملكية مطلقة في عهد الحسن الثاني، إلى انتقال ديموقراطي مع الملك محمد السادس، قبل أن يخفت تدريجاً، تمكنوا من رفع أصواتهم عالياً وتأسيس موسيقى حضرية احتجاجية بأشكال عالمية. وقد مثّل «بولفار الموسيقيين الشباب» موطئ قدم هؤلاء الفنانين قبل أن تجد أغانيهم صدىً لدى الجمهور الواسع الذي اعتاد موسيقى «الحب والغرام». هذه الموسيقى الثائرة عادت أخيراً إلى دائرة الاهتمام، حين انطلق شباب «حركة 20 فبراير» يعبّئون لوقفاتهم. أغنية «فين حقنا؟» (أين حقنا؟) لكل من «مسلم» و«الشحت مان» تناقلتها مجموعات الـ«فايسبوك» على نطاق واسع: «بدأت ثورة التمرد»، و«مابغيتش صوتي يبقى صدى في البئر»، و«بالروح، بالدم، التمرد، والثورة، جينا نبدلو كاع (كل) الوجوه المزوّرة»، هي بعض مقاطع الدويتو الغنائي الذي ينتقد طريقة إدارة شؤون البلد ويدعو إلى «الثورة».
تمثّل هذه الأغنية الجديدة جزءاً «من خطاب احتجاجي تراكم في المملكة»، وينحدر مباشرة من فرق قديمة ومعروفة، منها «ناس الغيوان»، و«جيل جيلالة» ومجموعات أخرى اشتهرت في السبعينيات بموسيقاها «السياسية»، كما يؤكّد مؤسّس الـL’Boulevard محمد مرهاري المعروف بـ«مومو». كلمات الشباب ليست بوقاً سياسياً فحسب، بل مقياس يجسّ حرارة المجتمع المغربي ويعكس أحلام شبابه وإحباطاته أيضاً.
مواضيع كالرشوة، والفقر، والتعليم، والسكن غير اللائق، والعطالة، والفساد، والملكية تحضر باستمرار في الأغاني ذات اللهجة المغربية الدارجة الممزوجة بالفرنسية والإنكليزية أحياناً. ولا تقتصر الكلمات على انتقاد الوضع الداخلي في المغرب، بل تمتدّ إلى انتقاد الأوضاع السياسية الدولية، خصوصاً ولاية جورج بوش.
«باري» (اسمه الحقيقي محمد بحري) هو مغني فيوجن، شاب يمزج موسيقى الكناوى مع الريغي والبلوز والراب. تضمن ألبومه الأول sleeping system أغنية تنتقد جورج بوش، أطلق عليها «جوني ووكر بوش». لفتت الأغنية جريدة «نيويورك تايمز» التي كتبت مقالاً عنه. مغني الفيوجن ركز في ألبومه الثاني «السيبة» (الفوضى) على مشاكل اجتماعية بالأساس كتجاوزات جهاز الأمن المغربي في أغنية «البوليس»، و«الطوبيس» (الحافلة) التي تشهد الازدحام والتحرش الجنسي، بلغة لا تخلو من الجرأة. كذلك، تطرّق «باري» في أغنيته «لاباز» أي تنظيم «القاعدة» إلى ظواهر التطرّف الديني والجريمة والدعارة في المجتمع المغربي في غياب كامل للتنشئة الاجتماعية.
كل هذا الزخم الاحتجاجي في تيمات الموسيقى، وطابعها الـ«أندرغراوند»، دفع إلى انتشارها بنحو واسع في أوساط الشباب، ليضعوها في قلب خطابهم الاحتجاجي الحالي الذي دعت إليه «حركة 20 فبراير». مجموعات الحركة المختلفة، وصفحات أعضائها على «فايسبوك»، تشهد نشر روابط العديد من هذه الأغاني الثائرة. وتؤكد عشرات التعليقات مساندتها لهذه الموسيقى المتمرّدة ولخطابها إزاء العديد من القضايا الوطنية. قضايا ترتبط بسيطرة محيط الملك على الاقتصاد والسياسة، والفساد في المؤسسات، كالبرلمان، وعدم استقلال القضاء، وغياب الشفافية في إدارة ملفات اقتصادية واجتماعية كبرى.
شباب الحركة ـــــ وإن تبادل أغاني الموسيقى البديلة ـــــ لا يتوانى عن نشر روابط أغنيات نضالية قديمة لـ«ناس الغيوان» والشيخ إمام ولفنانين غربيين أذكوا جذوة «الثورات» بأغانيهم.


الحاقد ـ حركة عشرين فبراير"








فين حقنا ـ الشحت مان ومسلم








لابازـ باري








البوليس ـ باري