بغداد | هذه الأيام، تسود حالة من الغضب والاستنفار تجاوزت ردود الفعل المعتادة مع كلّ انتهاك للحريّات الإعلاميّة في العراق. وقد تمثّل ذلك في المواقف الحازمة التي اتخذتها مؤسّسات إعلاميّة وصحافيّون ومثقفون عراقيون إزاء ما تعرّض له زملاؤهم من اعتقال وتعذيب على أيدي القوات الأمنيّة في «جمعة الغضب» الماضية، فضلاً عما تعرّضت له قناة «الديار». ووصفت «جمعية الدفاع عن حريّة الصحافة» في العراق يوم الجمعة الماضي بـ«اليوم السيئ لحريّة الصحافة والديموقراطيّة في العراق» بسبب حجم الاعتداءات التي شهدها.

إذ اقتحمت قوّة عسكريّة مقرّ «الديار» واعتقلت سبعة من العاملين فيها، وأوقفت بثها بسبب نقل المحطة وقائع التظاهرات في ساحة التحرير في بغداد.
كذلك اعتقلت مراسلي «السومريّة»: سنان عدنان، إدريس جواد والمصوّر صفاء حاتم بعد تغطيتهم التظاهرة، واعتدت بالضرب على آخرين، هما: علي حامد ومهند عبد الستار. واحتجزت قوّات الجيش عشرات الصحافيّين واعتدت عليهم، بينهم: مازن الزيدي، خلود العامري وستار الحاجي، وصادرت معدات وأجهزة خلوية وكاميرات من الصحافيّين. وفي تطوّر غير مسبوق، طاردت قوّة عسكرية أربعة صحافيين واعتقلتهم أثناء تناولهم الغداء في مطعم «الطرف» في منطقة الكرادة، وسط بغداد، وهم: علي عبد السادة من جريدة «المدى»، المخرج والإذاعي هادي المهدي، علي السومري من جريدة «الصباح» وكاتب هذه السطور (راجع الصفحة المقابلة). وفي كربلاء، اعتدت قوّة من مكافحة الشغب على مصوّر وكالة «رويترز» مشتاق محمد أثناء تغطيته التظاهرة في المحافظة، فيما أصيب مصوّر قناة «السلام» إياد الجميلي لدى إطلاق قوّة من الجيش النار على متظاهرين معتصمين في المجلس المحلي لمدينة الفلوجة. وكانت قوات «عمليات بغداد» قد أعلنت في وقت سابق منع جميع وسائل الإعلام من استخدام أجهزة البث المباشر (SNG) في تغطية التظاهرات في ساحة التحرير.
وبعدما طالبت «جمعية الدفاع عن حريّة الصحافة» بإطلاق سراح المعتقلين، دعت «القيادات الأمنية إلى تقديم اعتذار رسميّ وصريح وواضح لجميع الصحافيّين والإعلاميّين ووسائل الإعلام (...) وتقديم ضمانات واضحة بعدم تكرار منع وسائل الإعلام من تغطية أي حدث مستقبلاً، ولا سيما أنّها خالفت بوضوح وعلى نحو صريح الدستور العراقيّ الذي كفل حريّة التعبير وحريّة الصحافة والإعلام».
وبعد يوم واحد على سلسلة الاعتداءات هذه، أعلن عدد من الصحافيّين العراقيّين مقاطعتهم لأنشطة مكتب القائد العام وقيادة «عمليات بغداد» حتّى «تقديم اعتذار رسمي مشفوع بتعهدات واضحة بعدم تكرار ما وقع في 25 شباط (فبراير)، وما سبقه من إجراءات تعسفيّة ضدّ التغطية الإعلاميّة المباشرة، وما تلاه من حملة اعتقال واعتداء على عدد من زملائنا العاملين في مؤسّسات مختلفة». ورأى هؤلاء أنّ ما حصل يمثّل «انقلاباً واضحاً على الدستور من الذين يدّعون حمايته، فضلاً عن ضربه عرض الحائط بكلّ قيم الديموقراطيّة».
الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق أدان هو الآخر «مظاهر القمع التي تعرضت لها المسيرات الشعبيّة من قبل الأجهزة الأمنيّة»، معلناً رفضه «اعتقال المثقفين والإعلاميّين والصحافيّين». وأعلن تأييده للتظاهرات التي جاءت «احتجاجاً على غياب العدل الاجتماعيّ واستشراء مظاهر الفساد السياسيّ والإداريّ في الكثير من مؤسّسات الدولة، ما أدى إلى تردّي الخدمات واستفحال ظواهر البطالة والأميّة والفقر».
من جهتهم، عقد الصحافيّون الأربعة الذين أطلق سراحهم، بعد عشر ساعات من اعتقالهم والاعتداء عليهم وتعذيبهم، مؤتمراً صحافيّاً شرحوا فيه حيثيات هذا التعدّي عليهم، فضلاً عن ظروف دهس إحدى دوريات الشرطة العراقيّة الصحافيّ سيف الخياط خلال تظاهرات يوم «جمعة الغضب».
وخلال المؤتمر، أعلنوا تحريك دعوى قضائيّة ضدّ مكتب القائد العام للقوات المسلحة. وقد لفت الإعلاميّ عماد الخفاجي الى «توافر معلومات تفيد بوجود قائمة من الصحافيّين والمثقفين المطلوبين للاعتقال بسبب موقفهم المؤيّد للتظاهرات في العراق».
وفي ظلّ هذه الانتهاكات بحقّ الصحافيّين ومؤسّساتهم، ومعهم مكتب الأمم المتحدة في بغداد و«مراسلون بلا حدود»؛ انطلقت أمس تظاهرة أخرى تحت عنوان «جمعة كرامة الشهداء» في بغداد وباقي محافظات العراق. لكن عناصر الأمن مضت في ممارساتها الهمجية بعدما طالت اعتداءاتها أمس حيدر المنصوري (نقابة الصحافيّين في البصرة)، نبيل الجوراني (أسوشيتد برس)، محمد الراصد (قناة «العالم»)، وشهاب أحمد (وكالة أخبار بغداد)... ولا يبدو أنّ الحلقة ستتوقّف قريباً!



طفح الكيل

أصدر عدد من المثقفين العراقيين بياناً أدانوا فيه حادثة الهجوم على أربعة مثقفين وصحافيين في حي الكرادة في بغداد يوم الجمعة الماضي. وطالبوا بـ«تقديم اعتذار لزملائنا المثقفين والصحافيّين على الطريقة المهينة للاعتقال والاعتداء الجسديّ العنيف غير المبرّر الذي تعرضوا له». كذلك حذروا الجهاز الحكوميّ من أنّ «ارتكاب مثل هذه الحماقات سيؤدي الى مزيد من الغضب». وأعلنوا أنّهم سيلجأون إلى كل الوسائل الإعلامية العربية والعالمية ومنظّمات حقوق الإنسان لرفع الظلم عن الصحافيين والزملاء الذين يتعرّضون للعسف والاعتداء.