اتصلت بعمر صباح السبت. ثم عرّجت عليه، وشاهدنا الأخبار. لا أعرف أيّ إلهام جعلني أتقاسم معه ساعاته الأخيرة. كان مهموماً لأنّ الشباب في ميدان التحرير «يجب» أن يكوّنوا قيادة تتحدث باسمهم. تحدث عن فيلمه الذي لم يكتمل. كان هناك مطر خفيف في الشارع الفارغ. ودّعته في الثانية عشرة وذهبت إلى المقهى، ليصلني الخبر الفظيع. من بين التفاصيل الثمينة الكثيرة، أستعيد كلمة «بابا» التي كان ينادينا بها. نحن الشباب الذين تحلقنا حوله، كما نلتجئ إلى غرفة دافئة في هذا الطقس الماطر والرمادي.
السينما التسجيلية كخيار ثابت، لا نهائي. مسؤولية المثقف الأخلاقية. الشجاعة بوصفها صيغة للحب. الحس النقدي باعتباره جزءاً من الجسد. في الأيام الأخيرة، هناك كلمة منسيّة عادت لتضيء عالمه المتشكك: الأمل. الأمل في قطعة فيديو.
قال لي أول من أمس إنّ معنى فيديو هو «أنا أرى». تلاحقنا كلمة بابا عندما يحتفي بضيفه حتى الدرج. الكرم الخفي. حس السخرية الاستثنائي في ثقافتنا. القدرة على اتخاذ مسافة من الموضوع وكل ذلك الحب في آن واحد.
ظلُّ عمر أميرلاي اليوم يغطي هذه المدينة. لطيف ومؤلم وحقيقي. هكذا كان عمر. فمن سيملأ ذلك الفراغ الهائل في قلب الواقع السوري الذي عاد ليعيش؟