عرفت النجاح بسرعة، وانطفأت بسرعة، بعد مسيرة مثقلة بالألم والضياع. ماريا شنايدر (١٩٥٢ ــــ ٢٠١١) التي بلغت، الخميس الماضي، محطتها الأخيرة في رحلة مضطربة ومجتزأة، أمضت حياتها تحاول التصالح مع شهرة لم تتحمّلها، وتجاوز الفضيحة التي لازمتها منذ «آخر تانغو في باريس» (١٩٧٢).
كانت في التاسعة عشرة، حين أهداها بيرناردو بيرتولوتشي دورها الخالد، إلى جانب مارلون براندو الخارج من «العرّاب». في شقّة باريسيّة مهجورة، عاشت ابنة الجنرال الفرنسي مع ذلك الأميركي الغريب الأطوار، علاقة صادمة وعنيفة وخارجة عن الأخلاق البورجوازيّة وقوانين «العائلة المقدّسة». «مشهد الزبدة» كما يسمّى، إذ جامعها براندو عنوة من الخلف، علق في أذهان الملايين. هذا الدور الذي جعل منها أيقونة التمرّد والتحرّر الجنسي، كان هديّة مسمومة أيضاً. غرقت ماريا في الإسراف والإدمان، فعلت كلّ شيء لتشفى من تلك التجربة التي استدرجت إليها بغير علمها. اعترف المخرج الإيطالي بأنّه يشعر بالذنب من جرّاء هذا العبء الذي ألقاه على عاتقها، وأنّه نادم لأنّها رحلت قبل أن يعتذر منها.
الدور الآخر لشنايدر كان مع جاك نيكلسون في رائعة ميكلانجلو أنطونيوي «المهنة: مخبر» (١٩٧٥). وخلال الـ٣٥ سنة اللاحقة عادت مراراً إلى السينما. لعبت في إدارة كليمان وشروتر وزيفيريللي وكومنتشيني وريفيت وغاريل، وإنكي بلال ومهدي الشريف. كذلك مثّلت في «شاشات الرمل» (١٩٩١) مع الراحلة رندا الشهّال. لكنّها لم تستعد ألق إطلالاتها الأولى... بعد موتها لقّبتها الصحافة بالابنة الضائعة للفنّ السابع.