«يمتلك المثليّ روحاً ثوريّة أكثر من الأشخاص العاديين»، يقول جان جينيه. المخرج التونسي مهدي بن عطية يستلهم مقولة الكاتب المسرحي الفرنسي جان جينيه، في باكورته الروائيّة الطويلة «الخيط» (2010). بخلاف مرزاق علواش الذي صوّر فيلمه «شوشو» عام 2003 في فرنسا، استطاع بن عطية تجاوز عقبة المحظور، والتنظيمات الدينية المحافظة، وتصوير شريطه في تونس قبل سقوط نظام زين العابدين بن علي. خطوة تحمل أهمية كبرى، بالنظر إلى حساسيّة الموضوع. تزداد أهمية المبادرة حين نكتشف عمق السيناريو، وحدّة الصّور، وحميمية بعض المشاهد الجنسية، تضاف إليها جرأة الممثل الرئيسي أنتونان ستالي ـــ فيشوانادان Stahly-Vishwanadan.
يؤدي الممثل الفرنسي من أصل هندي دور مهندس معماري ثلاثيني، اسمه مليك. يقرّر البطل ترك فرنسا، والاستقرار في تونس، بعد وفاة والده، للبقاء إلى جانب والدته (تؤدي دورها الممثلة الإيطالية التونسية كلوديا كاردينال). يحاول مليك عبثاً إقناع والدته بتقبّل ميوله المثلية، ويضطر أحياناً إلى الكذب عليها. يلتقي بلال (الفرنسي الجزائري سليم كشيوش)، وهو موظف بسيط، يكتشف معه البطل لذّة الجسد، وغواية تلمّس الآخر والبوح بالمكبوت.
يحصر الشريط نفسه في الحديث عن الطبقة البورجوازية، لكنّ المخرج يدافع عن خياره هذا: «هذه الطبقة البورجوازية أقلية في تونس، رغم ذلك، وجدت أنّ من المهم العودة إليها والتّحدث عن خصوصيّاتها». ويضيف: «ولدت قصة الفيلم بعد تصادم الكثير من الأفكار في رأسي. اجتهدت في البحث عن محور سيناريو يخصّني، يختلف عمّا هو متعارف عليه». تحمل الشخصية المثليّة لبطل الفيلم نظرة ناقمة على الوضع العام في البلد، في ظل تزايد رقعة الاضطهاد الرّسمي، وتوسّع سلطة دعاة الأخلاق. يرسم الحبيبان صورة جد قاتمة عن واقع الحريات في البلاد، وخصوصاً حين يقول مليك: «لا أستطيع أن أبقى مغمَض العينين أمام الظّلم وتعسّف السّلطة». موقف يقرب البطل من مجمل مشاعر الطبقات الاجتماعيّة البسيطة والمستضعفة وأحاسيسها.
تمكّن مهدي بن عطية المعروف بمساهماته في توقيع سيناريوات كثير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، من سرد وقائع «ممنوعة» في تونس الحاضر. قدّم بورتريهات يملأها الشّبق والرغبة في التّحرر.