«فيلم كتير كبير» الذي يعدّ التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج مير ـ جان بو شعيا طرح أمس في الصالات اللبنانية بعد عرضه في «مهرجان تورنتو السينمائي». يصوّر العمل الواقع اللبناني ضمن نمط أفلام «الغانغسترز» (العصابات). الفيلم من بطولة عدد من الممثلين المعروفين والجدد (آلان سعادة، فؤاد يمين، فادي أبي سمرا، وسام فارس، طارق يعقوب، الكساندرا قهوجي، جورج حايك) ويشارك فيه أيضاً الإعلامي مارسيل غانم، والمخرج المعروف جورج نصر، فيما الموسيقى من تأليف ميشال ألفتريادس.
من حيث الأسلوب، ينجح الفيلم في تمثيل هذا النمط الذي يتبناه ليعبر بطريقة مقنعة جزئياً عن الواقع اللبناني. يروي الشريط قصة ثلاثة أخوة يديرون الفرن الذي ورثوه عن أبيهم وتحول إلى محل للبيتزا يستخدم أيضاً كغطاء لتجارة المخدرات التي يديرها الأخ الأكبر المسيطر زياد (آلان سعادة). يحاول زياد شق طريقه بين كبار رجال العصابات. من اللقطات الطريفة في الشريط الطريقة المبتكرة التي يعتمدها زياد لتمرير المخدرات لزبائنه عبر حشوها في أكياس الملح الصغيرة التي تقدم مع البيتزا.
تحت ضغط زعيم المافيا الذي يعمل لديه، يضطر زياد للقيام بعملية أخيرة لتوصيل شحنة من الكبتاغون إلى سوريا. لكن إثر إحساسه بأنّ هنالك مخططاً لتصفيته، يقتل شركاءه ويعود إلى لبنان محملاً بالكبتاغون، فيبحث عن طريقة سرية لتهريبه خارج البلد. أثناء اقتحامه بيت أحد المخرجين (فؤاد يمين) لتأخره في دفع ثمن المخدرات، تخطر له فكرة مبتكرة بعد أن يشاهد مقابلة مع المخرج جورج نصر الذي يروي كيف قامت عصابة إيطالية بمحاولة لتهريب المخدرات من لبنان عبر وضعها في علب «بوبينات» الفيلم التي كانت تدعي تصويره.
لغة شبابية مختلفة
وحبكة تعبّر بطرافة ذكية عن الواقع اللبناني

يعرض زياد على المخرج تمويل فيلمه كي يقوم في ما بعد بتهريب الكبتاغون إلى الخارج عبر علب الأفلام غير المظهرة التي لا تخضع للتفتيش في المطار. الفيلم المزعوم يروي أساساً قصة حب بين امرأة مسيحية ورجل مسلم ضمن أسلوب الكليشيه المستهلك. لكن المخرج يضطر لقلب الأدوار، لأنّ جاد (الأخ الأصغر لزياد) الذي يجبر المخرج على منحه دور البطولة بطلب من زياد، لا يرضى على نفسه تمثيل دور رجل مسلم! بعدها، نشاهد عدداً من المفارقات والأحداث الطريفة التي تحدث أثناء تصوير الفيلم المفترض وتدخلات أفراد العصابة، وزياد الذي يكتسب شهرة واسعة كمنتج سينمائي صاعد، بخاصة بعد الانفجار الذي يقع أثناء تصوير الشريط ويستغله زياد إعلامياً حين يظهر في برنامج «كلام الناس» برفقة مارسيل غانم (يمثل نفسه في الشريط) مستنكراً هذه العملية الإرهابية التي تستهدف السينما في لبنان بحسب وصفه! الحوارات واللغة المستخدمة بين الشباب تتماهى بعفويتها مع الواقع والبيئة التي يصورها ونوع الشتائم المتداولة الذي يستعرضها الفيلم، ولو أنه في بعض المقاطع الأخرى، تتداخل هذه اللغة مع لغة أخرى أكثر أدبية لا تبدو في محلها. لكن بالنظر إلى أزمة الحوار التي تعانيها السينما اللبنانية، فالفيلم يحاول استكشاف لغة شبابية مختلفة. أما بالنسبة إلى الإيقاع، فيتماهى مع أسلوب أفلام الأكشن. وفي الإجمال، فاللغة السينمائية متماسكة من دون أن تعبّر بالضرورة عن خصوصية سينمائية متفردة. أما حبكة الفيلم، فتعبّر بحس عن الطرافة الذكية عن الواقع اللبناني، والفساد والنفاق الذي يحكم السياسة ويروج له الهبل الإعلامي كما نرى في نهاية الفيلم. غير أنه في بعض المقاطع وفي محاولة الشريط نقض الكليشيهات، يعيد تجسيدها كما في الفيلم المفترض أنه يتم تصويره، والنزاعات التي تحدث حين يتدخل المارة بين الممثل المفترض أنه مسيحي وزوجته الممثلة المسلمة بحسب السيناريو، ويطلب منها خلع الحجاب التي تدعي ارتداءه فقط لتغيظ أهله. الشخصيات على اختلافها هي مقنعة إلى حد ما، لكن يعوزها البناء الدرامي المركب. بخلاف ذلك، فالفيلم يقدم للمشاهد اللبناني نوعاً مختلفاً من سينما «الأكشن» المشغولة بإتقان وقلما نراها في السينما اللبنانية. عمل يتناول الواقع اللبناني عبر نمط «أفلام العصابات»، وكما نكتشف فإنّه قادر على تمثيله بامتياز، نظراً إلى تشكيل العصابات أو التشكيل العصابي (يجوز الوجهان) الذي يحكم البلد!

«فيلم كتير كبير»: صالات «أمبير» (1269)، «غراند سينما» (01/209109)، «فوكس» (01/285582)