لا يبني السيناريو العناصر على مهل أو بإيقاع مقنع
الوضع الطبقي ذاته هو ما جلب الأفراد القليلين إلى القرية الخالية. فزوجة يحيى، المتفرغة للتأمل والأكل، هي ابنة مؤسس القرية الراحل. لذا فهي تقيم فيها معظم الوقت، ومعها زوجها «الهربان» كما تصفه، والذي نكتشف، بعد زمن طويل من «خفة ظله» أنه في نظر زوجته «أناني، فاشل، وبخيل، ولا يقيم وزناً لحياة الناس» فيعيّن في مشفاه (مشفى حماه في الأساس) أطباء غير أكفاء منخفضي الأجر. لكن هذه القائمة الطويلة من الاتهامات، لا يبنيها السيناريو على مهل أو بإيقاع مقنع، بل تلقيها الزوجة في وجهه دفعة واحدة إثر مشاجرة ولّدتها الغيرة. تبدأ المشاجرة ـــ والاتهامات ـــ فجأة وتنتهي فجأة. كذلك الأمر، مع الآخرين. نعرف مشكلاتهم الأصلية ـــ وحتى الوجودية ـــ بأسهل الطرق: يقرّون بها بأنفسهم. فعشيق هالة المطلقة هو «هشام» (هاني المتناوي) يعرفنا بمشكلته بنفسه منذ اللحظة الأولى: ممثل ثانوي لم يحز البطولة أبداً رغم أنه في الرابعة والأربعين من العمر. حتى أن الجنايني نفسه ـــــ يقول هشام حزيناً ـــــ لم يعرفه حين رآه. الجنايني أيضاً يوصي الجميع ـــ وهم قلة على أي حال ـــ أن يجدوا له وظيفة كسائق. فهو هنا في القرية مؤقتاً فقط بدلاً من أخيه. حتى هالة المطلقة (هنا شيحة) والمفترض أنها مترجمة، تبدو مشغولة بالطبخ والحب والغضب ومحاولة ابعاد ابنائها عن الشاليه حتى تنفرد بحبيبها. نراها تحدّث نفسها حين أمطرت الدنيا وعرفت أن أبناءها المراهقين قادوا السيارة في اتجاهها. لقد أخبرتهم ألا يقودوا السيارة إلى هنا، كأنها تريد أن تعرّفنا ـــ كجمهور ــ على ما يشغل بالها من هواجس.
على أي حال، يصل الأطفال إليها بسلام، وتنتهي الغمّة بين جاريها الزوجين. ويظهر الممثل الثانوي أخيراً على غلاف مجلة فنية، ويرحل الجنايني عن القرية بعدما عاد شقيقه، ويمتلئ الشاطئ بالمصطافين. القصص التي كادت تتقاطع، ظلت متوازية، فعاد كل شيء إلى أصله بلا تأثير كبير، سواء على الأحداث أو على المُشاهد.