لم يكن المبدعون التونسيون يتخيّلون أنّهم سيضطرون إلى الدفاع عن مكتسبات اعتقدوا أنّها من الثوابت! إلا أنّ ما حصل منذ صعود الترويكا، التي تسيطر عليها «حركة النهضة» الإسلامية، فتح عيون المبدعين على واقع لم ينتظروه بعد «ثورة 14 يناير». بدأت متاعب المبدعين: حصار واعتداءات سلفية متكررة. اعتدى سلفيون على المسرحي رجب مقري، كما اعتدت مجموعة أخرى على النحّات الشاب حلمي الناجح وكسروا أعماله الفنية.
وفي اليوم العالمي للمسرح، اعتدت المجموعات نفسها على المسرحيين في قلب العاصمة، ما أعاد الى الأذهان ما عاناه المصلحون التونسيون مثل أبو القاسم الشابي والطاهر الحداد في العشرينيات والثلاثينيات.
في الحقيقة، قائمة الاعتداءات على المبدعين في 2012 يصعب حصرها، لكن يبقى أشهرها العدوان الهمجي على «معرض العبدلية». ولم يسلم من اعتداءات السلفيين الشعراء ولا المسرحيون ولا المهرجانات، إذ ألغيت مهرجانات صغيرة بسبب منع السلفيين تنظيمها، ونال الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد نصيبه من تعنيف السلفيين. رغم ذلك، استعاد المشهد الثقافي نشاطه ونجحت وزارة الثقافة في تنظيم التظاهرات الأساسية الثلاث وهي «أيام قرطاج المسرحية» و«معرض تونس الدولي للكتاب» و«أيام قرطاج السينمائية». وإذا استثنينا «الرائحة» السلفية النسبية في معرض الكتاب، فإنّ تظاهرتي السينما والمسرح حافظتا على الروح التونسية المألوفة مع جرعة غير مسبوقة من الحرية.


وهو ما يحسب للوزارة التي كان تعاملها مع أزمة «معرض العبدلية» دون المطلوب، إذ سارعت إلى إدانة الفنانين والوقوف ضمنياً مع الهجمة السلفية التي قادها زعيم «النهضة» راشد الغنوشي على المعرض والفنانين بدعوى الإساءة الى المقدّسات. وقد اضطر المبدعون إلى خوض معركة عدم تضمين الدستور فصلاً يجرّم المسّ بالمقدّسات وقد نجحوا في ذلك، ولا تزال المعركة متواصلة لتضمين الحقوق الثقافية في الدستور التونسي الجديد. ومن أجل ضمان نجاعة هذا الحراك المطلبي، عرفت تونس هذا العام إنشاء عدد كبير من المنظمات والجمعيات التي تُعنى بالدفاع عن الحقوق الثقافية والدولة المدنية وحرية التعبير والإبداع مثل «الاتحاد العام للفنانين التونسيين» وعشرات الجمعيات التي يقودها أبرز المبدعين والمفكرين، مثل يوسف الصديق، وعز الدين قنون والحبيب بلهادي...
ويبدو أنّ سنة ٢٠١٢ استهلكت المبدعين واستنزفتهم في المعركة السياسية. في المجال الإبداعي، لا نجد علامات كبيرة يمكن أن نتوقف عندها. المسرح التونسي لم يشهد أي حدث على عكس السينما التي تميّزت بمجموعة أفلام لفتت الانتباه، منها فيلم محمود بن محمود (الأستاذ) والنوري بوزيد (ما نموتش) والأفلام الوثائقية التي أنجزها شباب ورصدت تحولات المجتمع التونسي التي أدت الى انفجار «١٤ يناير» مثل «يا منعاش» لهند بوجمعة. وشمل «العطب» الإبداعي الرواية والقصة والشعر، باستثناء رواية «يتيم الدهر» لحسونة المصباحي (جداول) أو رواية «أطفال بورقيبة» لحسن بن عثمان. أما في الشعر، فيعدّ كتاب آدم فتحي «نافخ الزجاج الأعمى أيامه وأعماله» (الجمل) أهم ما صدر في 2012.
سنة صعبة عاشها المبدعون، لكنّ المقاومة التي أظهروها في مواجهة عنف المجموعات السلفية تؤكد أنّ المواجهة لا تزال مستمرّة حفاظاً على المكاسب التي حققتها تونس في مجال الثقافة، رغم أنّ الكثير من المشاكل بدأت تلوح في الأفق، إذ تم خفض ميزانية وزارة الثقافة بحوالى الثلثين، مقارنة بما قبل «١٤ يناير». وبينما نجح المبدعون في التخلّص من قوانين الرقابة في مجال الكتاب والمسرح بإلغاء لجنتي «التوجيه المسرحي» و«الإيداع القانوني» اللتين كانتا معتمدتين أيام بن علي، إلا أنّه باتت للرقابة أشكال أخرى، أهمها الرقابة باسم المقدّس! وهذه المعركة طويلة ومتعبة.