في بلد شهد ثورة تعاني من مدّ وجزر وتتراوح مواقف مثقفيها بين الحماسة والإحباط، من الطبيعي أن تطغى السياسة على الثقافة. الركود كان سمة المؤسسات الثقافية المصرية التي لم تشهد تغييراً جوهرياً في المنظومة الحاكمة لها، بل على العكس. لم تؤدّ التغييرات في قمة وزارة الثقافة وهيئاتها الرئيسية إلا الى تكريس خطاب الإحباط والتوجس.
المؤسسات التي تكوّنت في الستينيات لا تزال مصرة على احتكار عمليات إنتاج الثقافة أكثر من رعايتها، كما لا تزال تعاني ارتباكاً نظراً إلى تعرّضها لضغوط من طرفين: الأول تمثّله السلطة الحاكمة الجديدة التي جاءت مع تمكن قوى الاسلام السياسي من أجهزة الدولة الإيديولوجية، والثاني تمثّله الجماعة الثقافية التي ترى في نفسها ممثلة لخطاب الثورة القائم على التنوير والوعي. وزاد من صعوبة الأمر طغيان خطاب الاستقطاب السياسي الى جانب حالة رعب دفعت المبدعين إلى رفع شعار الشاعر صلاح عبد الصبور: «رعباً أكبر من ذلك سيجيء»، في إشارة الى توقّعات بأن يؤدي حكم الإخوان الى محاصرة حرية الفكر والتعبير. وهي نبوءة تقيس على مواقف سابقة لنواب الإخوان خلال عهد مبارك كانت تسعى الى تقييد حرية الفكر والتعبير، كما تستند الى حالات شهدها العام الذي تميز بحصار فرضته قوى الإسلام السياسي على منابر إعلامية ومثقفين بسبب موقفهم من حكم الرئيس محمد مرسي والإخوان. ويتغذى خطاب المثقفين المتوجسين بمسار تجربة إيران بعد ثورة 1979 التي أدت الى تهميش المثقفين والمبدعين بل الى هجرة بعضهم. وفي قلب هذه الصورة، ثمة علامات يمكن القول إنّها رسمت مسار الثقافة المصرية، إذ تمت عملية الانتهاء من كتابة دستور وإمراره رغم أنف المؤسسات الثقافية الاهلية والرسمية. في المقابل، لم تؤدّ عملية تهميش المثقف ومحاصرة حرية الإبداع إلا إلى دفعه مجدداً إلى الشارع والانخراط في الثورة والمطالبة بنصوص في الدستور تحمي حرية الفكر والابداع.
ومثلت وزارة الثقافة لغزاً للعديد من المثقفين. من ناحية، اكتفى وزيرها صابر عرب بأداء الأدوار البيروقراطية وتجنّب الخوض في نقاش معمق بشأن تعديلات تشريعات ثقافية جديدة. وقد كان محلاً لانتقادات حين قدم استقالة صورية من منصبه في الأيام الأخيرة لحكومة كمال الجنزوري ليضمن الفوز بـ«جائزة الدولة التقديرية». لكن اللافت أنّ غالبية جوائز الدولة نالها مثقفون ظلوا أصحاب خطاب يناهض الدولة الدينية مثل وحيد حامد، وعمار علي حسن، وحسن طلب، وعبد الهادي الوشاحي، وأحمد النجار. وتجلت قوة مواقع التواصل الاجتماعي التي قدمت دعماً للفضاءات المستقلة. وشهد العام رحيل عدد من القامات أبرزها الكاتبان إبراهيم أصلان ومحمد البساطي.
وبالمثل خسرت مصر أسماءً كان رهانها تعميق خطاب المواطنة، وأبرزها ميلاد حنا. ولم ينته العام الا بخسارة قامة ثقافية بارزة من جيل الخمسينيات هو عبد الغفار مكاوي أول من عرّف المثقفين المصريين إلى الشعر الحديث بكتابه الرائد «ثورة الشعر الحديث».