كانت الظروف الأمنية تقضم أجزاءً كبيرة من السنة الثقافية. لكن حين غابت هذه الأسباب أخيراً، لم تعد بيروت إلى ما كانت عليه. كأنّ المدينة اعتادت على تلك الأسباب، وصارت تستجيب لها في غيابها أيضاً. لا يمكن أن نكون في بحبوحة ثقافية. الأوضاع ليست متفجرة، لكنّ الانقسامات تلعب دوراً مماثلاً في ضرب ضرب الثقافة وتيئيس العاملين فيها.
ولا ننسى «الربيع العربي» وارتداداته على لبنان. القصد أنّنا بتنا محكومين بسنة ثقافية عادية. لا تزال المواعيد تملأ أيام السنة، لكن باستثناء بعض الفعاليات المضيئة، وقعت معظم المواعيد وقعت بين المتوسط والعادي كما هي حال بيروت المتوسطة والعادية في هذه الفترة.
كما في العام الماضي، أُقيمت النشاطات في مواعيدها، وكان آخرها النسخة الـ20 من «معرض الكتاب الفرنكوفوني» والنسخة 56 من «معرض بيروت للكتاب»، وحفلات زياد الرحباني في ضبية والأونيسكو، ومسرحية «مقتل إن وأخواتها» لريمون جبارة. عودة أحد معلمي المسرح اللبناني ترافقت مع تقديم نص «الدكتاتور» لمجايله الراحل عصام محفوظ بإخراج لينا أبيض.


هكذا، بدا المسرح أفضل حالاً من العام الماضي رغم التراجع العام، وغياب التمويل الذي يؤمن برمجة سنوية قوية. أُغلق «مسرح بيروت»، وكان مهدداً بالهدم لولا تدخل وزارة الثقافة لحمايته، بينما تابعنا عروضاً قليلة ومتفاوتة الجودة، فاستقبل «مسرح بابل» عرض «سنديانة» للتونسية زهيرة بن عمار، و«ميديا» لكارول عبود. في «مسرح مونو»، شاهدنا «الأربعا بنص الجمعة» لبتي توتل، وقدم منذر بعلبكي «حركة العين السريعة» في «أشكال ألوان»، وعرضت فرقة «زقاق» مسرحية «مشرح وطني»، بينما قدم التونسي وحيد عجمي «يا ما كان» في «مسرح دوار الشمس» الذي شهد عروضاً أخرى ضمن مهرجان «منصة». في «مسرح المدينة»، شاهدنا «أسباب لتكوني جميلة» لنادين لبكي، بينما استضافت المسارح ذاتها عروض «ملتقى الرقص المعاصر» الذي نظمته جمعية «مقامات». ولا ننسى العروض المغايرة التي قدمها «مترو المدينة» بقيادة هشام جابر، إلى جانب فوز ربيع مروة بـ «جائزة الأمير كلاوس».
في السياق نفسه، أُقيمت مهرجانات بعلبك وبيت الدين وبيبلوس في موعدها، بينما شهدت عروض أخرى سجالات حادة على خلفية حملات المقاطعة لفنانين وفرق أجنبية سبق أن زارت إسرائيل، وهو ما أجبر المغنية لارا فابيان على إلغاء حفلاتها، بينما حضرت فرقة «ريد هوت تشيلي بيبرز». في السينما. أُقيم «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» في موعده، وكذلك «مهرجان السينما الأوروبية»، وأثار فيلم My My Last Valentine In beirut سجالاً رقابياً، وتعرض فيلم «تنورة ماكسي» لجو بو عيد لهجوم أكليروسي، وعُرض فيلما «الحوض الخامس» لسيمون الهبر، و«تاكسي البلد» لدانيال جوزيف. ونال فيلم «الهجوم» لزياد دويري جائزة «مهرجان مراكش».
في النشر، صدر «طوق العمامة» لوضاح شرارة، و«حرير وحديد» لفواز طرابلسي، و«الانهيار المديد» لحازم صاغية، وصدرت رواية «لا طريق إلى الجنة» لحسن داوود، و«ساعة التخلي» لعباس بيضون، بينما فازت رواية «دروز بلغراد» لربيع جابر بجائزة «بوكر» العربية، ودخل أمين معلوف إلى الأكاديمية الفرنسية. في الشعر، قرأنا ديوانين في كتاب واحد لوديع سعادة، و«ظل الوردة» لحسن عبد الله، و«برهان الخائف» لمنغانا الحاج، و«معطف علق حياتك عليه» لسوزان عليوان، وشهد العام إطلاق مجلة «بدايات» التي يرأس تحريرها فواز طرابلسي.
في الفن التشكيلي، نذكر المعرض الاستعادي لشفيق عبود، ومعرضي حسين ماضي، وريم الجندي، إضافةً لحضور رسامين سوريين، ومنهم: بهرام حاجو، وعبد الكريم مجدل بيك، وقيس سلمان.
أخيراً، لا يكتمل حصاد السنة الحالية من دون ذكر وداعنا للصحافي غسان تويني، والمعماري عاصم سلام.