تنطلق اليوم في «مسرح بابل» عروض «مهرجان سينما النساء المخرجات» الذي ينظمه «معهد ثرفانتس» (بيروت) باشراف جوسلين صعب تحت عنوان «من... المرأة والحدود». يضمّ المهرجان خمسة أفلام لمخرجات اخترن إزالة الحدود بين الجمهور وقضايا قلّما واجهها. الحدود هنا ليست جغرافيا مكانية، بل تعني حدوداً بين المرأة وذاتها، بينها وبين الرجل والمجتمع والمآسي التي تعيش فيها، بينما قلة من النساء يستطعن التمرد عليها.
ولعل أجمل أفلام المهرجان على الإطلاق الفيلم التسجيلي «أمينة» (2006ـــ 12/12)، للمخرجة اليمنية خديجة السلامي. ببساطة، أنقذ الشريط حياة امرأة من الإعدام، إذْ نجح في جعل قضية امرأة متهمة بقتل زوجها قضية رأي عام. الفيلم لا يحاكم القضاء فحسب، بل يحاكم أيضاً مجتمعاً بأسره رضي بأن تكون نساؤه زوجات لسفاحين. انحازت المخرجة انحيازاً تاماً لامرأة كادت تمشي على خطاها. المخرجة نفسها تزوجت باكراً أيضاً، إلا أن إقامتها في المدينة، وقدرتها على التعليم، رسمتا لها قدراً أفضل. لذا نجد المخرجة تلاحق قضية أمينة كأنها قضيتها الشخصية، فتأخذنا في رحلة الى عالم بطلتها الداكن. تتجول في زنزانتها، وتكشف أسرارها التي لم يعرفها حتى زوجها، وتجعلها شاهدة على مجتمع فتك به الجهل والفقر، وتركه ساسته مشرّعاً على كل أنواع التطرف.
في الافتتاح، تقدم جوسلين صعب فيلمها «دنيا» (2005 ــ 10/12). رغم نجاحه في الصالات، واجه العمل جدلاً كبيراً في مصر، وشاركت فيه نخبة من الممثلين المصريين، أبرزهم حنان ترك قبل اعتزالها، ومحمد منير، وعايدة رياض وسوسن بدر. لم يكن ذلك مستغرباً، فالعمل يتحدث عن راقصة تسعى الى الاحتراف، وتلتقي الدكتور بشير فتنشأ بينهما قصة حب في مواجهة التقاليد التي ترفضها وترفض موهبتها، لكن الفيلم يجول في الأحياء المصرية التي تنتشر فيها ظواهر صدئة في الاجتماع البشري، حيث تبرز مشكلة الختان كقضية أساسية تطارد الفتيات من دون أن يملكن خيار الإفلات منه، إضافة إلى الرقص والحب والتمرد والحواجز الكثيرة بين نساء المجتمع ورجاله. بذلك، يكون «الختان ختان فكر قبل ختان الجسد» وفق ما كررت المخرجة أكثر من مرة.
البيروفية كلوديا يوسا، قريبة صاحب «نوبل للآداب» ماريو بارغاس يوسا، حاضرة بفيلم «حليب الأسى» (2009ـــ 13/12) الفائز بجائزة «الدب الذهبي» في «مهرجان برلين». يتحدث الشريط عن فوستا (ماغالي سولييه) التي تصاب بمرض نادر يسمى «حليب الأسى»، وينتقل عن طريق الثدي من النساء الحوامل اللواتي تعرضن للاغتصاب، كما حصل مع والدتها إبان سنوات العنف التي عاشتها البيرو في الثمانينيات. تمرّ فوستا في حالة من الإضراب والخوف المزمنين نتيجة المرض، ما يجعلها تعيش هاجس الهروب من مصير والدتها. ينتمي العمل الى أفلام ما بعد الحرب، حيث تنقل إلينا المخرجة حالة المجتمع المصاب بجروح لا شفاء منها. لذا، نراها تفرط في نقل مشاعر فوستا والعالم الذي تعيش فيه. قد يُؤخذ على المخرجة إفراطها في الواقعية، فضلاً عن أحداث تظل غامضة لمن لم يعايش الأزمة البيروفية، ما يترك الكثير من التساؤلات في ذهن المشاهد، الذي يعجز عن ايجاد تفسير لها. مع ذلك، يستحق الفيلم المشاهدة، فهو قادر على جذب الحضور إلى القضية الأساس: لماذا تدفع النساء ثمن حرب لم يرتكبنها.
ويتضمن البرنامج أيضاً «أعطيك عينيّ» (2003ـــ 11/12) للمخرجة الإسبانية ايثيار بولاين. عمل رومانسي درامي يتحدث عن بيلار (لايا مارول) التي تضيق ذرعاً بالعادات السيئة لزوجها أنطونيو (لويس توسار)، فتقرر الهرب مع ابنها، والسكن مع شقيقتها، التي تنوي الزواج من حبيبها الذي تقطن معه. يحاول انطونيو ثني بيلار عن قرارها. وفي النهاية، تجد نفسها مجبرة على شق حياتها بنفسها، والسعي إلى الاستقلال المادي كمدخل لفتح صفحة جديدة، غير أنها تبقى مطاردة من مشاعرها تجاه زوجها، فتعيش حالة ضياع بين قلبها وعقلها. يعد الشريط فيلماً نسوياً، فهو يقدم الأحداث من وجهة نظر امرأة، حيث تؤدي المشاعر والحب الدور الأساس في تقويم الخيارات، وفي الحكم على الصواب والخطأ، وفي الميل المازوشي للنساء اللواتي يتعلقن بمن يؤذيهن. وهنا تبرز حدود من نوع آخر بين المستقبل الذي تتوق بيلار اليه والماضي الذي تعجز عن نسيانه. علماً أنّ القصة ليست وحدها التي تصنع جمالية الفيلم، بل الموسيقى التصويرية الرائعة التي وضعها البيرتو اغليسياس الذي ترشح مراراً لجوائز «أوسكار»، ويعدّ المؤلف الموسيقي المفضل للمعلّم الاسباني بيدرو المودوفار.

«من... المرأة والحدود»: بدءاً من اليوم حتى 14 ك1 (ديسمبر) ــ «مسرح بابل» (الحمرا ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/744033 ـــ كل العروض تبدأ عند السادسة مساء



«طيارة» رندا الشهال

ختام المهرجان سيكون مع فيلم «طيارة من ورق» (2003ـــ 14/12) لرندا الشهال. آخر أفلام المخرجة اللبنانية الراحلة تتخطى الحدود لا بعدستها فحسب، بل أيضاً بغوصها عميقاً في التقاليد المتمردة على الجغرافيا، كاشفةً عجز الاحتلال عن الفصل بين مجتمع واحد يعيش على ضفتين، رغم ما بينهما من قهر واحتلال وحروب مستمرة. يتحدث الشريط عن قصة فتاة من جنوب لبنان تغرم بجندي عربي يخدم في الجيش الإسرائيلي وكلاهما ينتمي الى عائلة درزية، وتصبح رحلة الزواج رحلة الى المجهول، وعبوراً فوق الغام الأرض وألغام المجتمع، إذ تنقطع الفتاة كلياً عن عائلتها نتيجة هجرتها إلى الأراضي المحتلة. أثار الفيلم انتقادات عدة طالب بعضها بوقفه حين عُرض أول مرة. الفيلم الذي فاز بجائزة «الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقية» عام 2003 يشارك فيه كلٌّ من: فلافيا بشارة، ماهر بصيبص، جوليا قصار وليليان نمري، إضافةً الى مشاركة خاصة من زياد الرحباني.