تونس | لم تنجح التظاهرات والتجمّعات، التي احتشدت أمام مداخل المحكمة الابتدائية في قابس (٥٠٠ كلم جنوبي العاصمة تونس)، في تخفيف التوتر في الشارع التونسي على خلفية قضية المجموعة الفنية «زواولة» (الفقراء بالعامية التونسية). فقد نظرت المحكمة في الدعوى أمس ومَثَل الشابان شاهين بالريش (خريج المعهد العالي للفنون) وأسامة بوعجيلة (دراسات عليا هندسة) أمام القاضي في سابقة لم يشهدها تاريخ تونس. وبعدما حضر عدد كبير من المحامين، طالبين التأجيل، استجابت هيئة المحكمة وأرجأت بتّ القضية الى يوم ٢٣ كانون الثاني (يناير) المقبل.
وكانت النيابة العامة قد وجّهت مجموعة من التهم بحق الشابين، أبرزها، «نشر أخبار زائفة، والكتابة على الجدران العامة من دون رخصة، وحث السكان على التقاتل، ومخالفة قانون الطوارئ في البلاد المعتمد في البلاد منذ ١٤ كانون الثاني (يناير) الماضي». أحداث تلك القضية تعود الى 3 تشرين الثاني (نوفمبر) عندما خرج الطالبان في نزهة ليلية في شوارع قابس لممارسة هوايتهما في الغرافيتي والرسم على الجدران والتعبير عن أحلام «الزواولة» وحقّهم في عيش حياة كريمة. وبعد وقت قصير، تبعتهما دورية أطلقت الرصاص في الهواء فلاذا بالفرار، وما إن مرّ يومان على الحادثة، حتى تم استدعاؤهما وإحالتهما على وكيل الجمهورية الذي أبلغهما بالتهم المنسوبة إليهما.
وحضر الشابان أمس أمام المحكمة بسبب كتابتهما التي تدافع عن الفقراء والمهمشين وحقّهم في حياة كريمة بعد «ثورة يناير» التي رفعت شعار الكرامة والحرية للتونسيين. وبذلك، تكون قصة شاهين بالريش وأسامة بوعجيلة قد تحوّلت الى قضية رأي عام تابعتها وسائل الإعلام التونسية والعالمية. وقد أدانت المنظمات والنقابات الثقافية والفنية محاكمة الشابين واعتبرتها محاكمة رأي لم تشهدها تونس بعد الثورة.
وحشدت «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» أنصارها للتجمع أمس أمام محكمة قابس للتنديد بهذه المحاكمة، كما شكّل الفنانون لجنة للدفاع عن فناني الغرافيتي ضمت عدداً من أبرز المبدعين التونسيين. وقد تجمّع عشرات الشبان من التلاميذ والطلبة ورفعوا لافتات، ورددوا هتافات تدين الترويكا الحاكمة، وخصوصاً «حركة النهضة» التي تحمّلها القوى الديموقراطية مسؤولية ما يحدث في تونس اليوم من تراجع لحرية التعبير. وتعد هذه المحاكمة نموذجاً للتضييقات على حرية التعبير والإبداع التي تعيشها تونس بعد «ثورة يناير». رغم عفويته وبساطته، أثبت فنّ الغرافيتي أنه قادر على تغيير ملامح مجتمع بأكمله، وتبديل عناصر اللعبة في بلد يتخبط بمشاكله... فهل ينتصر «الزواولة» هذه المرة؟