غابت دمشق ليومين متواصلين عن العالم الافتراضي، فأثبتت أنّها تنبض في عروق عواصم العالم؛ إذ نظم السوريون والمتضامنون معهم في المغترب مسيرة إلكترونية تحت عنوان «هنا دمشق» (الأخبار 1/12/2012). وإن كان لغياب السوريين عن مواقع التواصل الاجتماعي طعم القلق الممزوج بالحنين، فإنّ لعودتهم طعم الفرح الحقيقي. حالما اشتعل الضوء الأخضر عند اسم أول سوري أطلّ على الفايسبوك، كتب على صفحته: «من دمشق هنا دمشق» تبعته غالبية السوريين بالجملة ذاتها، قبل أن يعلّق بعض الناشطين: «من دمشق هنا كل العالم».
هكذا، تحوّل الحدث إلى كرنفال خلط بين الكوميديا وروح الدعابة التي يشتهر بها أهل الشام، وبين الإحباط الذي يخيم على الغالبية في هذه الظروف الصعبة. لكنّ الحدث وحّد السوريين موالاة ومعارضة أو «مندسين» و«شبيحة» كما يحلو لهم تسمية التقسيمات بينهم هذه الأيام. اجتمع الكل تحت راية دمشق أقدم عاصمة للأديان والحضارات. في البداية، ذكّر بعض الناشطين والمثقفين ونجوم الدراما السورية من خلال صفحاتهم بقصة «هنا دمشق» خلال العدوان الثلاثي على مصر وتحديداً عندما قصف الطيران هوائيات إرسال الإذاعة المصرية، فانقطع البث ليأتي الصوت مجلجلاً من إذاعة دمشق: «من دمشق، هنا القاهرة»، وتعيدها ثلاث مرات قبل أن تحرص على بث أخبار المحروسة أولاً بأول. بعد ذلك، أطلقت الناشطة المعارضة سهى رحال نداءً لكل السوريين بدخول الفايسبوك ليصل الضوء الأخضر إلى السماء، ثم علق أحد المثقفين السوريين: «على إيقاع اللهفة الغيرى... هنا دمشق» لينتقل الحوار بعدها إلى ضفة أخرى طغت عليها مسحة ساخرة، وهي عادة يتفنن عبرها السوريون بتحويل أحداثهم الدامية إلى كوميديا سوداء. وسرعان ما صرخت إحدى السوريات: «فرحتي بعودة الفايسبوك توازي فرحتي بحصولي على الشهادة الثانوية»، فيما أعلن آخر رغبته بضم الإنترنت؛ لأنّه الملاذ الوحيد للقاء الأحبة هذه الأيام، وسخر ثالث من الدولة التي تلعب بنا، قائلاً: «عاد الإنترنت وانقطعت الكهرباء!»، حتى وصلت السخرية ذروتها عندما أفتى أحدهم ساخراً، بأنّه بحسب الإمارة الإسلامية السلفية التي أعلنت أخيراً في حلب، فإنّ قطع الإنترنت وحجب الفايسبوك حرام؛ لأنّه يمثل صلة الرحم الوحيدة في هذه الظروف! ثم اتخذت الموجة منحى التشاؤم والحزن حين ذكّر أحدهم بأنّ أهالي غوطة دمشق يقبعون منذ أشهر بلا كهرباء ولا ماء ولا إنترنت، فهل من يتذكرهم؟ وصرخ آخر: «عادت الإنترنت وعاد التحديث لإحصائيات القتلى المتصاعدة».