على غلاف الكتالوغ المطبوع في مناسبة معرضه، رسم محمد شمس الدين (الصورة اوتو بورتريه) صورته الذاتية بين صورتين افتراضيتين لدانتي والمعري. من التناص المعروف بين «الكوميديا الإلهية» و«رسالة الغفران»، ألّف الرسام اللبناني فكرة معرضه «مائيات في عين الشمس» الذي احتضنته أخيراً «دار المصور». من دانتي، اقتبس عناوين اللوحات الـ 23 المنجزة بقياس واحد، وحرص على وجود مفردة «شمس» فيها. ومن المعري، تسربت مقاطع وسطور إلى هذه اللوحات، بينما الترجمة الأكثر وضوحاً لفكرة الموت حاضرة في التجهيز المنجز على شكل مكعبات خشبية، يحمل كل واحد صورة فوتوغرافية لأحد أصدقائه الراحلين. كأننا أمام مرثية تشكيلية تحضر فيها أسماء رسامين مثل: رفيق شرف، بول غيراغوسيان، رشيد وهبي ومصطفى الحلاج، إلى جوار أسماء كتاب وشعراء مثل: بسام حجار، عبد الأمير عبد الله وعاصم الجندي. بطريقة، يبدو شمس الدين كمن يرثي حقبة بيروتية كاملة عبر أشخاص صنعوا ثقافة تلك الحقبة ومزاجها المديني، وخصوصاً في شارع الحمرا ومقاهيه ومسارحه. الصور الشخصية مكتفية بلطخات أكواريل، ومتجاورة على شكل جدار يمكن تغيير هيكلية مكعباته المنفصلة بسهولة، وقد تتحول إلى تابوت كبير كما فكر الرسام نفسه في البداية.

مناخات الرحلة إلى العالم الآخر حوّلت المعرض إلى برزخ أو «مطهر» يتوسط العلاقة بين الرسام وموتاه، وبين اللوحات والتجهيز أيضاً. هكذا، تصبح اللوحات مساحات تجريدية يُجازف فيها شمس الدين بإنجاز مائيات كبيرة، بينما تكتسب السطور المقتبسة من كتاب المعري طاقةً حروفية، سرعان ما تصنع صلاتٍ حميمة مع جوارها التجريدي. الجديد في المعرض هو حضور الطبيعة في لوحات كاملة، أو حضورها جزئياً في لوحات أخرى. أحياناً، تنقسم اللوحة إلى مساحتين: سفلية تحتلها الطبيعة، وعلوية ممنوحة للتجريد والحروفية. يتبادل التجريد المساحات مع الطبيعة الريفية، أو يصنع تناظراً هندسياً ثنائياً معها، قبل أن تتجزأ لوحات أخرى إلى مساحات ثلاثية ورباعية. السكينة، التي تنبعث من الطبيعة الخالية من البشر وأحوالهم، تسهّل على المتلقّي أن يعاملها كتجريدات مضطرة إلى خلق أشكال نباتية وقمم أشجار تنحني عليها سماوات واطئة وبعيدة. هكذا، تأسرنا الانطباعات الناتجة من براعة شمس الدين في تهجين الأشكال والكلمات بألوان الأكواريل، لكن ذلك لا يُنسينا المذاق الجنائزي والنوستالجي للمعرض.