كسرطان زرع في قلب الأمة، إسرائيل الكيان المغتصب تتسلل افتراضياً وتتغلغل بين صفوف الفايسبوكيين هذه المرة. بعد صفحة «إسرائيل بالعربية» المروّجة» لـ«الكيان المسالم والمحبّ للعرب» والحاملة «لواء القيم الإنسانية ونبذ العنصرية» (الأخبار 14/9/2012)، أطلّت علينا أخيراً صفحة «إسرائيل باللبنانية» التي أنشئت في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مزدانة» بصورة القدس المحتلة على غلافها. وعلى الرغم من حداثتها، لاقت تفاعلاً وسخطاً واضحين، خصوصاً في الجسم اللبناني. عدد المتابعين لها لم يتخطّ 171 شخصاً حتى يوم أمس، ومع ذلك أطلّ علينا القائمون على الصفحة أمس وعبّروا عن امتعاضهم لما ينهال عليهم من شتائم وصفوها «بالتعليقات السلبية»، ورأوا أن ما يرّوجون له يقع ضمن إطار «تعاون نطمح إلى تعزيزه مع لبنان كتقارب ثقافي حضاري»، معتبرين أنّه السبيل الوحيد للسلام عوضاً عن استخدام «السلاح والدم والعنف الجسدي واللفظي». وتوجّه هؤلاء إلى الناشطين اللبنانيين، فكتبوا: «الحقد لا يولّد مستقبلاً»، داعين إلى فتح المجال أمام الجميع للتعبير كما يشاؤون عمّا يختلج صدورهم من مواقف وآراء في هذه الصفحة، شرط المحافظة على «الآداب العامة»، واعدين الجماهير الفايسبوكية بإعلان هويتهم الغائبة في الأصل في التعريف بالصفحة.
«إسرائيل باللبنانية» التي تمطرنا مواعظ في «احترامها للآخر ولحرية التعبير ولأهمية تعزيز الجانب الثقافي الحضاري بين لبنان وإسرائيل»، و«عراقة حضارتها بين الشعوب»، لم تتوان عن نشر صور للمباني والمدن الفلسطينية المحتلة ولكيفية تعلّم اللغة العبرية التي هي السبيل الوحيد لـ«تعزيز الروابط وتوطيدها» و«المفتاح للدخول الى مختلف الحضارات». لم يستكن الفايسبوكيون لهذا الاستفزاز، بل علّقوا على هذه الصور بتمنّي أن تكون مسوّاة في الأرض في المرة القادمة، مذكّرين إسرائيل بجرائمها، وبأنّ فلسطين ستعود حرةً مهما طال الزمن.
قليلة كانت المواقف والتعليقات والصور والتفاعل مع الصفحة الحديثة. إذاً، لم يقع اللبنانيون في الفخ الذي أراده مؤسّسو الصفحة نصبه لهم، ألا وهو فتح حوار معهم حتى لو كان بالشتائم، علماً بأنّه يصعب تبيان هوية أصحاب الصفحة أو تعقّب البلد الذين انطلقوا منه. مع ذلك، كان اللافت إصرار بعض الناشطين على نشر التعليق عينه المعبّر عن غضب وسخط تجاه هذا الترويج للصهاينة مع كل تعليق تنشره الصفحة. وقد تناقل كثيرون هذا التعليق الذي يختم: «معارك التحرير كالصيام، ونحن باقون على صدوركم كالنقش في الرخام... موعدنا حين يجيء المغيب موعدنا القادم في تل أبيب نصر من الله وفتح قريب».
رئيس تحرير مجلة «الآداب» والناشط في حملة «مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» الكاتب سماح إدريس كان قد دعا أمس على صفحته الخاصة على فايسبوك إلى ضرورة عدم الانجرار الى هذه الصفحة والمشاركة في الترويج لها، ولا حتى التفاعل معها عبر كتابة تعليقات تشتمها. وإذ يتّكئ على القانون اللبناني الذي يجرّم التعامل مع العدو الصهيوني في حال تبيّن أنّ منشئيها لبنانيون، شدد في حديثه مع «الأخبار» على أنّ الحل يكمن حصراً في عدم التجاوب والتفاعل مع هذه الصفحة بغية قطع الطريق أمام تحقيق هدفها الأساس، وهو فتح حوار مع اللبنانيين. ويظهر ذلك كما يقول من خلال «سعيها إلى تخفيف صفة «العدو» عند اللبنانيين لتنزل الى رتبة خصم». الصراع برأيه مع عدو مماثل على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا يلزم اللبنانيين بالتحاور معه، فالحرب تتم عبر المزيد من التعمق والدراسات والأبحاث عنه. ويرى إدريس أن ما يحدث اليوم يصبّ في قيام إسرائيل بتجنيد وتمويل شركات أميركية بهدف إطلاق حملات مضادة لحملات المقاطعة نفسها. وأعرب هنا عن أسفه لما تبثّه بعض الصفحات اللبنانية التي تدّعي الحرص على حرية التعبير وتهاجم مقص الرقابة، إذ روّجت لصفحة «إسرائيل باللبنانية» قبل أن تنتبه إلى خطيئتها وتلغي «البوست» المروّج للصهاينة! المؤسف أنّ هناك أصواتاً فردية أيضاً دعمت الصفحة، وما تروّج له إما من باب السذاجة أو من باب أنّه حتى «العمالة صارت وجهة نظر»!