تونس | منذ «١٤ يناير»، تحوّل شارع الحبيب بورقيبة بساعته الشهيرة الى رمز وفضاء للاحتفال بالحياة والديمقراطية. لكنّه أيضاً شهد «غزوات» سلفية مثلما حدث في ٢٥ آذار (مارس) في مناسبة اليوم العالمي للمسرح المعروفة بـ «غزوة المنقالة» عندما صعد السلفيون الى أعلى ساعة باب البحر في تونس العاصمة في مشهد استعراضي مشهود.أمس، نظمّت جمعية «فنون الشارع» بالتعاون مع منظمة العفو الدولية (فرع تونس) عرضاً وسط شارع الحبيب بورقيبة على بعد خطوات من وزارة الداخلية التي كانت رمزاً لكل معاني التعذيب والغطرسة والقمع طيلة سنوات الاستقلال. موسيقى الجاز والريغي والراب عزفها فنانون شباب محتفلون بالحياة والحرية. هم لم يعرفوا زعيم تونس الحبيب بورقيبة الذي يحمل الشارع اسمه، لكنه عرفوا الرئيس المخلوع الذي واجهوه بصدور عارية ومعارك على شبكة الانترنت.
تجمّع الشبان وسط الشارع في حفل تلقائي من أجل إدانة العنف ضد الانسان وللدفاع عن حقوق المواطنة والتنديد بعقوبة الاعدام في إطار حملة وطنية لإدانة العنف موزعة بين المدن التونسية تقودها جمعية «فنون الشارع» بعد سلسلة من الاعتداءات التي طالت مبدعين ومواطنين وناشطين سياسيين وحتى رجال أمن.
تحاول النخب التونسية اليوم خصوصاً الشبان استعادة تلك البهجة والإقبال على الحياة الذي عاشوه لحظة سقوط النظام السابق قبل أن تخيّم عليهم سحب المرارة والإحباط حين تحوّل الشارع الى فضاء للاستعراضات السلفية. وظهر أمس، كانت الخطوة الأولى التي ستعقبها أخرى للتنديد بالعنف الذي يتسلل تدريجاً الى الشارع التونسي ليغتال أحلام المواطنين في تجربة ديمقراطية راهن عليها العالم قبل أن يراهن عليها التونسيون أنفسهم. في زحمة الأخبار السيئة التي تصل من ضاحية دوار هيشر الشعبية التي لم تتوقف فيها المواجهات بين الأمن والسلفيين وراح ضحيتها مؤذن «مسجد النور»، يحتفل شبان في قلب شارع الحبيب بورقيبة بالحياة وسط الورود ونوافير المياه.
هكذا تبدو تونس اليوم، وهكذا يبدو شارعها الذي يتقاسمه تياران: واحد في اتجاه المستقبل محتفلاً بالموسيقى والفنون، وآخر يبحث له عن أسانيد في السلف الصالح ولا يستبعد العنف باسم «الجهاد في سبيل الله». فعلاً إنّها المفارقات التونسية!