دمشق | بعد محاولات للعثور على نص مناسب لتجربته الإخراجية الأولى، وقع اختيار يامن محمد (1979) على اسكتش «محطة فكتوريا» للبريطاني هارولد بنتر (1930ـــ 2008). بالتعاون مع السينوغراف وسام درويش، اشتغل المسرحي السوري على إيجاد قراءة دراماتورجية تُسقط محتوى النص الذي تحول عنوانه إلى «المراقب»، على مجريات المشهد السوري المفتوح على العنف والعبث. يتميز النص الأصلي بمناخات غرائبية محمولة على حوار قصير وسريع يشبه الطلاسم أو الثرثرة المجانية الخاوية من أي هدف. عن ذلك، يقول المخرج: «عملتُ بداية على قراءة متأنية لما بين السطور، وتوصلت إلى قراءات دراماتورجية لما أراده بنتر من النص، ووجدت لاحقاً أنه يتقاطع مع العزلة المزرية التي وصل إليها المواطن السوري البسيط اليوم». العرض/ الحوار الذي قدِّم أخيراً على خشبة «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، يمتد قرابة نصف ساعة بين المراقب (أسامة التيناوي) الجالس في مكتب تابع لإحدى شركات التاكسي، حيث ينظم عمل السائقين عبر الاتصال لاسلكياً بهم، ومخاطبتهم بأرقام بدلاً من أسمائهم، كما يحصل مع السائق رقم 274 (جمال المنير) الذي يركن سيارته في أطراف المدينة، منتظراً زبونة يقع في حبها، وتكسر رتابة حياته.

تتحول وسيلة الاتصال إلى حالة تكشف عزلة البشر، والدوافع الإنسانية شبه المعدومة التي تسيّر حياتهم. في مكتبه البعيد، يتعامل المراقب مع السائقين من موقع السلطة المطلقة، لكن في لحظة غير متوقعة، يكشف للسائق رقم 274 عن حقيقته الإنسانية البسيطة، وحاجته إلى الخروج من عزلته. الإسقاط على الأحداث السورية، عولج برشاقة وعفوية عبر تخليص النص من عبثيته المفرطة، وإبراز حالة انفصال السلطة التي جسّدها المراقب، عن البسطاء الممثلين بشخصية السائق، والعلاقة بين مركزية السلطة والعشوائيات التي احتضنت بداية الاحتجاجات الشعبية. «لم نغير كلمة من النص الأصلي باستثناء أسماء الأماكن لتأكيد فكرة أن الأحداث تجري الآن وهنا»، يقول يامن محمد، بينما ينتبه المتفرج إلى أن الحلول الإخراجية أكدت على حالة الثبات والسكون، عندما بقي الممثلان ثابتين في مكانهما طيلة العرض. وحده الحوار بالعامية كان العنصر المتحرك الذي أثار المخرج من خلال توظيفه تساؤلات منطقية تلخص الحالة التي يعيشها السوريون اليوم: «ما هو شكل الحوار الذي نريده بيننا؟ وهل هو قادر على إيقاف حمام الدم بعدما بلغت الأمور حالة تفوق كل ما عرفته البشرية من عبث وسريالية»؟.