Reasons To Be Pretty وجبة مسرحية خفيفة، مع قصة حب وخيانة... ونادين لبكي. كانت هذه الخلطة كفيلة باستقطاب حشود إلى «مسرح المدينة» لمشاهدة العرض الذي يحمل توقيع المخرج جاك مارون. للمرة الأولى، نشاهد وجوهاً لا تنتمي إلى الجمهور المعتاد، والأسباب عديدة، منها هجين على ثقافة المسرح في بيروت كتنظيم مؤتمر صحافي قبل العرض، والافتتاحات المتتالية مع السجادة الحمراء. كما أنّ للممثلين الثلاثة طلال الجردي، وندى بو فرحات، وإيلي متري، جمهورهم الخاص الذي كرّسوه طوال مسيرتهم على الخشبة، والشاشتين الفضية والذهبية، فضلاً عن وجود نادين لبكي.
أمّا جاك مارون خريج Actors Studio Drama School في نيويورك، فالأغلبية الساحقة من الجمهور لا تعرفه، ولم تشاهد عمله الأخير «كيفا إمك؟».
إذاً، نحن بوضوح أمام مسرح النجم، ولا يخفى أنّ النجم هنا هو نادين لبكي. والنتيجة «فول هاوس» في «المدينة».. مشهد عظيم، اشتقنا لرؤيته في مسارحنا. أما على الخشبة، فحديث آخر.
من خلف جدار غرفة النوم المكتملة التفاصيل على المسرح، يسمع صوت غضب جليّ. يفتح باب الغرفة بقوة، يدخل الممثلان إلى المسرح، وقبل أن يخطوا خطوة ثانية، نسمع تصفيقاً من الجمهور، فصمت، فانطلاق العرض. دخول «إماميّ» (نسبة إلى عادل إمام) بامتياز إلى المسرح. ستيفاني (نادين لبكي) تنهار. علمت من صديقتها أنّ زوجها (طلال الجردي) لم يعد يجدها جميلة. تقفز على السرير، ترمي الغطاء والوسادات أرضاً كلما حاول إعادة ترتيبها، تهدّده بأنها ستقتل سمكاته، تصرخ بأعلى صوتها، تضربه، تشتمه، وتنهار. وعند اعترافه بالحقيقة، توضب حقيبتها وتخرج من البيت بقميص النوم، صافعة الباب. لا تشبه تلك الصفعة، صفعة «نورا» في نهاية «بيت الدمية» لهنريك إيبسن الذي يعتبر بالمناسبة من أهم نصوص المسرح الواقعي العالمي، بل هي أشبه بصفعة للجمهور، منذرةً ببداية مسلسل تركي مترجم عن نص مسرحيّة الأميركي نيل لابوت «أسباب لتكوني جميلة» (2008).
تتغير الديكورات بسلاسة وإتقان، من غرفة نوم والمطبخ، إلى الحانة، فمطعم «رودستر» (راعي المسرحية) صمّمتها سلافة صوبرا على شكل استوديوهات تصوير واقعية، مع عدد من الميكروفونات الكبيرة المتدلية من سقف المسرح رغم صغر قاعة مسرح المدينة.
هكذا يدخل الممثلون، ويخرجون، وتجري الأحداث ضمن تلك الديكورات. طلال الجردي يحاول ترقيع خطيئته الفادحة من دون جدوى. أما صديقه إيلي متري، فيخون امرأته مع نادلة المطعم المجاور. وامرأة الأخير أي ندى بو فرحات حامل بطفلهما الأول. أما النهاية، فواقعية (ساذجة) إلى أقصى الحدود. يرسل طلال ندى لتضبط زوجها في جرم الخيانة المشهود. وتقرر نادين بدء علاقة جديدة مع رجل غني، لأنه يجدها جميلة، ولكن أيضاً لأنها فتاة «سطحية» تتشدق بالعلكة طوال العرض.
إذاً، يعتمد العرض منهج المسرح الواقعي. خيار انطبق على جميع عناصره من التمثيل، إلى الديكور، والملابس (بياتريس حرب)، والإضاءة (هاغوب ديرغوغاسيان) والإخراج (جاك مارون). جاء التيار الواقعي خلال القرن الماضي كردة فعل على التيار التعبيري، ويرتكز على فكرة نقل الواقع إلى المسرح. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لجأ المخرج الفرنسي أنتونان أرتو إلى المسرح الواقعي، ليتخطاه إلى مسرح القسوة، مظهراً فجاجة الواقع، باحثاً عن وضع جمهوره في مواجهة مع قساوة الحياة. لكن هنا قرّر جاك مارون الذهاب إلى النقيض الآخر، ألا وهو الواقعية الخفيفة المسلية، المطعمة بالميلودراما وكوميديا السيتكوم، أي مسرح الوجبات السريعة. والنتيجة «مسلسل» تلفزيوني رديء وتسطيح للعلاقات الإنسانية من الحب والخيانة، إلى الصداقة وعلاقة الإنسان بذاته. لم يستطع مارون في مسرحه الواقعي أن يجلي على الخشبة ما لا يراه المشاهد في الواقع، بل اكتفى باستعادته بنسخة رديئة من دون دفع المشاهد إلى التوقف لحظة لإعادة التفكير في مسلّماته.
خيار السطحية في المسرح ليس صدفة بريئة، بل هو قرار ناتج من التباس فهم المثقف لعلاقة الجمهور اللبناني بالمسرح وتبنّي خطاب ينادي بتبسيط الأمور، وجعلها «لايت» تُضحك قليلاً، وتبكي قليلاً، مع وجوه تمثيلية معروفة. وصفة يريد عبرها المخرج «مصالحة الجمهور اللبناني مع المسرح» على حد تعبيره. لكن عن أي مسرح نتكلم؟ ومن قال إنّ عروض مروان نجار الذي سبق جاك مارون بسنين في واقعيته المسطحة تلك، لم تكن تستقطب جمهوراً؟ أو بالأحرى، كم هو صعب جذب جماهير المسلسلات التركية عندما تقدمها على المسرح مع وجوه لبنانية معروفة؟ فعلاً قد يكون جاك مارون نجح في رهانه الخاص، لكن من المؤكّد أن المسرح اللبناني هو من يخسر رهانه بوصفه فسحة أمل!



Reasons To Be Pretty: حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ـ بيروت) ـ
للاستعلام: 01/753010