جرت العادة أن ينهمك اللبنانيون في انقساماتهم السياسية، متناسين همومهم المعيشية التي لا تعدّ ولا تحصى. اليوم، لا يزال الانقسام موجوداً، لكنّ اختلافاً بسيطاً طرأ على المعادلة لأنّ ما يشغل الناس بعيد عن السياسة هذه المرة: إنّه التدخين!مع اقتراب موعد تطبيق المرحلة الأخيرة من قانون منع التدخين في لبنان، بدأت الساحة تعج بالتعليقات المختلفة، لتبلغ أمس ذروتها في اليوم الأول لمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة.

على الشبكة، انشغل الجميع في التعبير عن رأيهم، حتى أمسى الفضاء الافتراضي أشبه باللوحات الإعلانية الخاصة بالبلاغات والإعلانات الرسمية. «منع التدخين ليس إلا فرصة جديدة لرجال الشرطة لزيادة مدخولهم»، تقول إحدى السيدات على صفحتها على فايسبوك، مشددة على أنّ القانون الجديد «مسخرة وبضحك». يشاركها صديقها الرأي، قبل أن يسجّل مداخلة جديدة ممازحاً: «إذا الجناح العسكري لبيت المقداد ما وقف التدخين بالأماكن العامة... شو بيعملوا معوا؟». وضمن الأجواء التهكمية نفسها، نشر أحدهم صورة شهيرة لتشي غيفارا وهو يدخن السيجار وكتب تحتها: «هل تمنع هذه الصورة بعد الثالث من أيلول؟»، إضافة إلى صورة أخرى تتضمن عبارة «سننبعث من الرماد لنغير هذا القانون الجائر». بدورها، أكدت صبية عشرينية أنّ منع التدخين في البلدان المتقدمة أمر طبيعي. أما في لبنان، فهو ضرب من الخيال: «المواطنون هناك يعيشون بأمان ورفاهية. أما نحن فلدينا مئات الأسباب للتعلق به». في المقابل، شهدت العديد من صفحات الموقع الأزرق مواقف مؤيدة للقانون الجديد، معتبرة أنّه حان الوقت لتطبيقه «بصرامة»، وأنه خطوة على طريق الانتقال إلى «مجمع نظيف»، فيما رأى آخرون أنه يمثل أبسط حقوقهم كأشخاص اختاروا الابتعاد عن هذا «الوباء».
وكما على فايسبوك كذلك على تويتر، مالت الكفة لصالح التغريدات المعارضة للقانون. شددت بعضها على «سذاجة» الإصرار على فرض قانون مماثل في بلد يعاني فائضاً من المشاكل. «فقط في لبنان‏ فيك تحرق محطة تلفزيونية، وفيك تقصف مدينة، وتخطف بشر بس ممنوع تدخن»، تقول إحدى المغرّدات، وتضيف أخرى أنّ «الدولة تبحث عن هيبتها في قمع مخالفات التدخين»، بينما تؤكد أخرى أنه «انا مش بس مع منع التدخين في الاماكن العامة... أنا مع منع دخول الدخان الى لبنان من الاساس». بعضهم قلّل من أهمية القانون، لافتاً إلى أن تطبيقه صعب، مذكراً بإقرار وزير السياحة فادي عبود بهذا الأمر. وفيما تجنب معظم المشاهير التعليق على الموضوع، لحقت قلة منهم بركب الانقسام الجاري على مواقع التواصل الاجتماعي، فعبرت رسامة الكاريكاتور ومصممة الغرافيك مايا زنقول عن أسفها للتجاذبات الحاصلة، خصوصاً أنّ حل المشاكل اللبنانية «لا بد من أن يبدأ من مكان ما». أما مقدم البرامج رودولف هلال فغرّد قائلاً: «واشنطن تحذر طهران، طهران تحذر اسرائيل، اسرائيل تحذر لبنان، ولبنان يحذر من أن التدخين يؤدي الى أمراض خطيرة ومميتة». في بلد أثقلت كاهله شتى أنواع الآفات، قد يبدو قانون منع التدخين «مزحة سمجة». لكن يبقى الأمل في أن يجد طريقة إلى التطبيق، انطلاقاً من قاعدة أنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة!