يقفل فيلم حملة «شايف حالك» الذي يتحدث عن العنصرية على سؤال مفتوح لكل مشاهد: «طيب واللبناني؟». يحضّنا السؤال على تشغيل مخيلتنا لإيجاد وصف «يليق» بمجتمع يُطلق النعوت العنصرية والأحكام على الأجانب في لبنان. المشهد يجمع تلامذة من كل المشارب والطوائف «ينضحون» بما «اعتنقوه» من أفكار وأحكام مسبقة على الجنسيات السورية والسودانية والروسية والفليبينية، ليصلوا الى اللبناني، فيصمتوا!
هذا العمل الذي بدأ عرضه أخيراً على «المؤسسة اللبنانية للإرسال» ومواقع الحملة الإلكترونية، ناهز مشاهدوه الـ21 ألفاً على موقع يوتيوب. أبصر الفيلم الضوء بعدما أطلق فريق شركة Impact BBDO حملات سابقة طالت الطائفية، والفساد، والمحسوبية ومشاكل السير. الشركة التي يسجَّل لها مواكبتها لحملة توعوية دامت أكثر من عام، شكّلت ظاهرة في تاريخ الإعلام والإعلان في ما اصطلح على تسميته بالمسؤولية الاجتماعية سعياً إلى تقويم السلوك وإحداث تغيير بين صفوف المجتمع. وكما هو معلوم، أرست هذه الحملة شراكة مع المواطن كعنصر أساسي في المساهمة في نشر المخالفات وأعطته الزخم والوسيلة التي غالباً ما تكون الكترونية لفضح كل سلوك غير صحي أمامه. تحولت الحملة لاحقاً الى جزء يواكب الحياة اليومية للمواطن كما يقول مدير الحملة عمر صادق لـ«الأخبار»، معتبراً ذلك بمثابة إنجاز لشركته، خصوصاً مع وجود مواضيع جمّة يمكن الإضاءة عليها لاحقاً.
فنياً، تعتمد الحملة على نقل الواقع كما هو بمرارته وتفاصيله عبر أسلوب سهل ممتنع بعيد عن «الفوقية»، وحيث الاستعانة بأناس عاديين لتأدية الأدوار التمثيلية التي تأتي غالباً عفوية وارتجالية لا تحتاج الى جهد لإنجازها. يضاف الى ذلك فريق كبير من منتجين ومخرجين وفنيين يسهمون في انجاز الكليبات من دون مقابل مادي. يقول مدير قسم الإبداع في الشركة وليد كنعان إنّ الفيلم الجديد الذي يتناول العنصرية يرتكز على الجيل الجديد كما فعلت الحملة في فيلم الطائفية. يختصر المشهد حواراً بين تلامذة ومعلمة لم تظهر في الصورة بهدف إيصال رسالة مفادها تصويب دورها الأساس الذي يتمثّل في التنشئة وليس في استنطاق التلامذة عن عنصريتهم تجاه الأجنبي. وتروح المعلمة تسألهم عن الأوكرانية في المجتمع اللبناني، فيجيب أحد التلاميذ: «فهمك كفاية مدام»، ثم الخليجي (يرد تلميذ «ولو يا مدام، فلوس») والسوري (شغيل ورشة) والمصرية (طرمبة بنزين) وهلم جرّا... فاضحاً كل الكليشيهات العنصرية التي ينضج بها المجتمع اللبناني عن الجنسيات المختلفة.
في هذا السياق، يؤكد وليد كنعان أنّ إحداث الصدمة هو غاية العمل، مضيفاً «صحيح أنّ التلامذة يختلفون في المعتقد لكنهم يجتمعون على العنصرية». علماً أن هذا العمل سيستتبع قريباً بعملين اثنين يتحدثان عن القضية عينها. وهذه المرة سيطالان العنصرية تجاه الخادمات الأجنبيات والعنصرية الجندرية تجاه المرأة والرجل معاً.
إضافة إلى التفاعل الكبير معها، الملاحظ في الحملة أنّها اكتفت سابقاً بفيلم واحد يتناول الطائفية وقد جمع معتقدات ومقولات المسلم والمسيحي عن بعضهما. يقول وليد كنعان هنا إنّ مقاربة الموضوع أهم من كمية الأفلام المنجزة عنه. برأيه، صُدم الجميع من العمل لأنّه أتى على لسان أولاد كان يُفترض أن ينعموا بشيء من البراءة، فإذا بهم يتلون حديثاً مليئاً بالطائفية وبالأفكار المسبقة تجاه الآخر استقوها من الكبار خلف الجدران المغلقة. يتلخّص هدف هذا الفيلم في خلق بداية وعي لدى الناس لاستيعاب أمر واحد هو أنّ الشحن الطائفي لا يوصل إلا الى الاقتتال الداخلي. وعن المحاذير التي أُخذت في الاعتبار قبل نشر هذا الفيديو خصوصاً في بلد يتنفس طائفية، يؤكد وليد كنعان أنّ الحملة لم تتخطّ الخطوط الحمراء للطوائف، خصوصاً مع وجود فريق من الباحثين الاجتماعيين والقانونيين يمنع الوقوع في أي ثغرة في هذا الإطار. كما ركّزوا في المونتاج على إقامة التوازن في الحديث عن الأطراف ومراعاة خصوصياتها. مع ذلك، لاقى الفيلم اعتراضاً من جهات دينية طلبت وقف بثه، إلا أنّ LBCI لم تمتثل.
السهام ستتجه في الأشهر المقبلة على أهل السياسة، إذ ستتناول الحملة التوعية حول الخيار السياسي للمواطن، خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية عام 2013 بغية تغيير نمط التفكير السائد والانفصام الذي يعيشه اللبنانيون عندما ينتخبون الطاقم نفسه الذي أرادوا محاسبته قبلاً!. وهنا يؤكد عمر صادق على التشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذه القضايا وبناء شراكة استراتيجية وحصرية مع «ال. بي. سي» الحاضنة والداعمة للحملة.



مخالفات... وجوائز

انطلقت حملة «شايف حالك» في 15 حزيران (يونيو) 2011 بشراكة وصفت «بالإستراتيجية» بين Impact BBDO الإعلانية وLBCI. وكانت باكورتها حملات تناولت مخالفات السير واشراك المواطن في رصدها وفضخ المخالفين. خُصِّصت آنذاك مساحة على فايسبوك سميت «حائط العار» الذي نشر عليه ما يزيد على 40 ألف مخالفة بالأسماء وارقام السيارات. كذلك، نفذ أكثر من كليب تمثيلي يظهر فداحة المخالفات. تعرّف الحملة عن نفسها بأنّها حركة مدنية تقوم على «صحافة المواطن» وتحويل الأخير الى شرطي في ظل غياب المساءلة الحكومية. نجاحها السريع وطرحها قضايا تمس المجتمع اللبناني جعلاها تستمرّ لتحصد جوائز بلغ عددها 18 أبرزها في دبي.