في زمن صارت رسائله وصوره بخفة الفكرة، إذ تنتقل سريعاً في الفضاءات الافتراضية الالكترونية، ما زال للورق دوره الذي لا غنى عنه. تتناقله الأيادي يومياً بأشكاله وقيمه المختلفة من العملة إلى الصحافة والإعلانات، ومن الكتب إلى المعاملات الرسمية وجوازات السفر. هو الورق، الاختراع الذي يعود تاريخه إلى بداية القرن الثاني بعد الميلاد، وتحديداً في الصين الرائدة في اختراعاتها عبر تاريخ البشرية، وهو الوسيط الفني الأول للألوان في الطفولة.
في بياض قاعة «غاليري جانين ربيز» في بيروت، التقى عشرة من فناني الغاليري بجيليه القديم والجديد في معرض Works on Paper (أعمال فنية على الورق) بتنظيم من نادين بكداش (غاليري جانين ربيز). ما يقارب 20 لوحة خلقت على الورق، جمعتها خفة الكيان، وتنوعت كثافة الأفكار بين إطار وآخر. كأيّ معرض جماعي، تصعب الكتابة خصوصاً في ظل غياب العنوان الموحد وحضور فنانين ذوي خبرة في الفن التشكيلي، فتتنوّع اللغة البصرية وتختلف الرؤى ويبقى للعين أن تجول على اللوحات متوقفة أمام كل تجربة.
ضم المعرض الذي اختُتم أمس، أسماء معروفة في عالم الفن والأدب كإتيل عدنان ولور غريب. قدمت الأولى عملين أحدهما لمشهد بحري من نيويورك رسمته بالحبر الصيني على بياض الورق، فيما اختارت أن يكون عملها الثاني كتاباً «أكورديوني» الشكل بعنوان Homage to the Inkpot حمل شعراً ورسوماً بالألوان المائية والحبر. «ذاكرة وأساطير الأجداد» هو عمل غريب التي قدّمت بالحبر لوحة تسمرّت فيها وجوه بين الزخارف والكلمات والسؤال عن الفراغ. وفيما غاب نجل غريّب الفنان مازن كرباج عن المعرض، حضر ثنائي عائلي آخر شكّلته الفنانة إيفيت أشقر وابنها فرانسوا سارغولوغو. قدّم الأخير لوحة (lithography) عبارة عن تركيب فوتوغرافي يجمع بين مشاهد صيفية لأشخاص مع خلفية لما بدا كمبان بيروتية مرّ عليها الزمن. فيما احترق البني تجريدياً في لوحة أشقر «أثقل وأوسع مع الصمت» الزيتية التي تعود إلى عام 1994. للفنانة أوغيت الخوري كالان عملان تعبيريان تداخل فيهما الأصفر وظلال سوداء في شرائط متوازية ضمن لوحتين من مجموعة تعود إلى 1999. شارل خوري استخدم مواد مختلفة على الورق في لوحة من دون عنوان جمع فيها ما يقارب الحروف القديمة أو رسومات الكهوف بخلفية جعلتها ضربات الفرشاة قريبة من الجلد المستخدم للمخطوطات. لم تغب السياسة عن المعرض الهادئ. لأننا في لبنان، قامت ساندرا عيسى بالترحيب بنا عبر Welcome to Lebanon: ثلاثة أعمال تركيبية جمعت العلم اللبناني ومشاهد لإضرابات ومسلحين. فيما عاد منصور الهبر بعملين من معرضه Republicafe الذي تناول فيه السياسة اللبنانية، كموضوع طاولة الحوار، بتركيب كاريكاتوري. كما عرض لوحتين تجريديتين بعنوان «توطئة» و«دوار» من مجموعة جديدة لكنّهما جاءتا مختلفتين عن Republicafe. في الإطار ذاته لكن بعيداً عن المباشرة، عبّر هنيبعل سروجي عن اشمئزازه من مشاهد الحرب والإبادات الجماعية في لوحتين (1994) بعنوان Marque A et B. إعادة عرض عمل قديم كانت مع سمير خداج من خلال لوحة من العام الفائت تظهر امرأة تقف بين بياض الجدران وصخب ألوان ملابسها وأغراضها في تقديم لحياة المرأة العصرية، ما ظهر أيضاً في لوحات جولي بو فرح التي أخذتنا إلى عالم المرأة عبر غرفتها وأغراضها في «مربعات ودوائر» (2009). أما العري فتجرّد في لوحة مائية لعفاف زريق بلا عنوان استخدمت فيها الأزرق والرمادي وإضاءات ذات لون رملي. كما جمع المعرض أعمالاً لسعيد عقل الذي قدم لوحة تعبيرية وحليم جرداق الذي قدّم لوحة عري تعبيرية من عام 1985 وجميل ملاعب في لوحتي «غواش» من العام الجاري في تبسيط للطبيعة.