«عتبة الألم لدى السيدة غادة، مصنع الألم وخزان الذاكرة، كلما صنعوا الحب أصابتهم عتبة الألم، كلها محاولات ليوم دمشقي مثالي». إنه عرض مسرحي سوري معاصر من إخراج عبد الله الكفري بالتعاون مع نخبة من الممثلين اللبنانيين والسوريين أبرزهم: محمد آل رشي (ربيع)، حنان الحاج علي (منى والدة غادة)، ريم خطاب (غادة)، وكامل نجمة (أنس).
يضيء العمل على الجانب الاجتماعي للعلاقات الإنسانية بناءً على تفاعلها وتقاطعها مع محيطها. هذا الإنتاج الاجتماعي يطرح اليوم العلاقة بين دمشق، وبيروت وجمهوريهما: المدينة الأولى في حالة بناء قناعات جديدة، والثانية في علاقتها بما يحدث في الشام. يُعدّ هذا العرض أولى تجارب عبد الله الكفري، بعدما عمل كدراماتورج مع العديد من المخرجين. بالنسبة إليه، فإنّ هذا المشروع يعدّ فرصة لمراجعة الذاكرة لدى القاطنين في دمشق وزوّارها في المرحلة الأخيرة، إضافة الى تقويم شكل العلاقات الاجتماعية في ظلّها. تجسَّد ذلك في المرأة الدمشقية غادة، ذات الاثنين والأربعين عاماً، التي فشلت في التواصل مع الأهل والزوج الراحل والناس، وما من استقرار يعزّي وحدتها. إنّها تعيش عزلة اعتادتها طوال أربع سنوات، انعكست على جسدها المترهّل الذي ينوء تحت أوزار الفشل. تتعرف غادة إلى طبيب الأسنان أنس، تزامناً مع ظهور شخص غريب في حياتها عبر الفايسبوك. تقرّر أن تخرج من فشلها، فتمضي في شفط الذاكرة وشفط الدهون مع طبيب التجميل ربيع. الأخير يجد في هذه المرأة حالة يستطيع إثبات ذاته من خلالها، بأن يكون طبيباً يعيد ترميم الذاكرة والحياة، لا ترميم الجسد فقط، لكن غادة ستقع في فشل جديد بعد محاولة يائسة للارتباط بأنس وإقفال الرجل «الغريب» حسابه على فايسبوك واختفائه. أما ربيع، فلا يملك والحالة هذه سوى قتل/ إراحة غادة من ذاكرتها بالكثير من الحبّ.
ارتكز عبد الله الكفري في رؤيته الإخراجية أولاً على الممثل مجسداً حالة العزلة التي تعيشها الشخصيات، في ظل نظام يقوم على تكريس هذه العزلة وإعادة انتاجها، ما يدفع الشخصيات الى نهاية محتومة بين الألم والعبث. وعلى الدوام، يحمل الممثل أسس العرض ومسؤولية بناء تفاصيل منطقية وواقعية تحقق حالة عالية من الإيهام لدى الجمهور، ما يبني حالة جدل موضوعي بين المتلقي والعرض... ولا بد من الإشارة الى أنّ فريق العمل بخبرته الطويلة في التمثيل رفع العرض الى درجة إضافية من الجمالية، في إطار سينوغرافيا مدروسة بدقة فنية تخدم فكرة المخرج ورؤيته. مثلاً، التزمت الإضاءة بالألوان التي تجسد حالة اليأس والوحدة والقلق لدى الشخصيات، كما أنّ الديكور ينقل المتفرج الى واقعية الحدث، فيتحول من منزل الى عيادة فغرفة عمليات، وقد طغى عليه اللون الأبيض الهادئ، الذي يزيد فضاء العرض برودةً. هكذا ترجم عبد الله الكفري رؤيته إلى الواقع الاجتماعي الذي تعانيه دمشق في الآونة التي سبقت الأحداث الأخيرة، والتحول الذي تمر به اليوم نحو غدٍ غير معلوم.